صرخة فزع :الشباب بين أنياب البوليس وانسحاب الدولة وعنف المجتمع
أيوب المسعودي
10 مارس 2017
ليس صحيحا أن الشباب متواكل وينتظر حلولا
تأتيه من السماء، هذه مقولات العنف الليبراليّ الّتي ترمي إلى تجريم الحراك الاجتماعيّ
وتحميل الفقراء والمهمّشين ذنب فقرهم لأنّهم لم يكونوا "شرسين" كفاية في
غاب الرّأسماليّة الّتي ينتصر فيها المفترسون ولا مكان فيها للوداعة.
ياسين الماجري قبع في السّجن قرابة العام قبل
أن يحال على أنظار المحكمة. تحدث إليّ ورأيت فيه نموذجا عن الشباب الكادح الّذي
يأبى أن يمدّ يده للعطايا والهدايا، لا يخاف الجمع بين مهنتين، هو نموذج من
الشّباب المقدام، وما أكثرهم، ممّن يمكن اعتبار حياتهم حربا يوميّة ضدّ شبكة من
العوائق والنّوائب، حياتهم حرب مستمرّة مع التّشغيل الهشّ والزّبونيّة الّتي تحكم
علاقات السّلط المحلّيّة مع منظوريهم، وتوتّر العلاقة مع البوليس الّذي تربّى على
حفظ النّظام بدل حماية حقوق المواطن... ياسين عيّنة من الشّباب الّذي أرادت دولة
البوليس تدميره ومحاصرته وخنقه اجتماعيّا وجزائيّا وحتّى اقتصاديّا بمفهوم سياسة
القمع الاقتصاديّة (كما بيّنت ذلك Béatrice Hibou في كتاب La
force de l'obéissance: économie politique de la répression en Tunisie)
الّتي ترمي إلى إجبار المواطنين على الرّضوخ لآلةالقمع والانصياع لإكراهاتها
وشبكة علاقاتها وهرميّتها الاعتباريّة والاجتماعيّة...
ياسين عانى التّشغيل الهشّ قبل السّجن وهاهو
اليوم يعاني النّظرة الدّونيّة لمجتمع تربّى على العنف المادّيّ والرّمزيّ، مجتمع
انشطر على نفسه وفقد "نباهته الاجتماعيّة" بمفهوم علي شريعتي ليفقد تضامنه مع أحوج فئة فيه
إلى الجماعة والتّضامن والتّآزر. كثير من الشّباب يعاني التّهميش والبطالة قبل
السّجن ثمّ بعد الخروج يجد نفسه غارقا في ديون القفّة وإعالة الأهل في غيابه... ويصبح
بحثه عن شغل بمثابة عبور للصّحراء وقد التصقت به صفة "صاحب سوابق"؟
إنّها العبثيّة الّتي سقطت فيها دولة الغباء.
ياسين نموذج من الشّباب الكادح الّذي يكذّب
مقولة أنّ الشّباب متكاسل ولا يحبّ العمل، هو ضحيّة سياسة اقتصاديّة مبنيّة على
هشاشة التّشغيل والنّسيج الاقتصاديّ الّذي يولّد هشاشة في مستوى العلاقات
الاجتماعيّة وشبكة العلاقات وبالتّالي ضعفا أمام أجهزة الدّولة الّتي عوض أن تخدمه
تحوّلت إلى أداة قمع أو في أحسن الأحوال أداة ابتزاز.
ياسين محاصر، لم يتعافى بعد من الآثار
النّفسيّة للسّجن، غارق في الدّيون وفي صخب الحياة المليئة بالنّوائب والمشاكل
والتّعقيدات ولكنّ تصميمه على الوقوف والعودة للعمل والنّهوض من رماد الظّلم
والقهر درس لنا جميعا وخاصّة تفنيد لخطاب الرّأسماليّة الّتي تريد أن تضع وزر
جريمة اغتيال الدّولة الاجتماعيّة وانسحابها من دورها الاجتماعيّ على ظهر الشّباب
المهمّش.
من المستفيد من هذه المأساة الاجتماعيّة والإنسانيّة؟
لا أحد. لقد انتظر الشّباب من يمدّ له يد العون ليخرج من عتمة الحقرة والدّونيّة
إلى أفق الانعتاق والتّحرّر والكرامة، وما لم نستفق من غفوتنا ونصغي إلى هذا
الاحتقان ففمة من يتربصون بشبابنا شرا بخطاب التطرّف والتّهلكة والدّمار، فأنقذوا
شبابنا، أليسوا أولى بالمصالحة من الحيتان الكبيرة وبارونات الفساد؟ لماذا نتسامح
مع مجرمي الدّمار الشّامل بل ونعوّض البنوك الّتي أفلسوها بمال الشّعب بينما ننكّل
بضعاف الحال ونحشد ماكينات البوليس والقضاء ضدّهم؟