ماذا نريد؟
قد يبدو السؤال بديهيا للبعض أو ربما اعتباطيا؟ ولكن السؤال ملح. لم نتعود أن نُسأل عن رأينا في مجتمع الطاعة والعلاقات الفوقية الأبوبية منذ الصغر والمدرسة ومدارج الجامعة أمام المحاضر الأوحد والحزب الواحد والزعيم الفذ...
لماذا أطرح هذا السؤال... خطر لي هذا السؤال اليوم وبعد خمس سنوات من ثورة دون قيادة. لقد كانت ثورة دون قيادة وبلا أهداف واضحة. قد يقول القارئ ما دأب الجميع على تكراره من شعارات "شغل، حرية كرامة وطنية" كان عنوان الثورة، وهو شعار لا يختلف بشأنه عاقلان... ولكنه شعار قبل كل شيء، أي أن كل فرد قد يلبسه ما يتمثله من شروط الكرامة والحرية... وكل الأحداث أثبتت أن مقاييس الحرية والكرامة وغيرها من القيم التي نادت بها الثورة اختلفت بحسب التموقع الاجتماعي وامتيازات ما قبل 17 ديسمبر وما بعدها والتموقع في السلطة وخارجها والجغرافيا الوطنية... وبان بالكاشف أنه بينما يثور من ليس له ما يخسر، يرى الآخرون ممن يخافون على الحد الأدنى مما حققوه لأنفسهم، بحق أو بغير حق، أن غضب الشارع همجية وأن تواصل الاحتجاج قفزة في فراغ المجهول.
وبصراحة أقولها ولا أخفي أنني وإن أساند غضب الشارع فلا ينفي ذلك أنني وفي أعماق ذاتي تختلج تساؤلات شتى سأفصح عنها واحدة تلوى الأخرى:
لقد ركبت التنظيمات السياسية والحزبية على ثورة 17 ديسمبر ونجحت الأقليات المنظمة في تحويل وجهتها نحو ديمقراطية برلمانية ونظام سياسي هجين يقرب أكثر إلى لعبة الكرسي الموسيقي (chaise musicale) تخدم نخبة تبدو في الظاهر متناقضة ولكنها لا تتدافع إلا لتنال نصيبها من الكرسي أو الوجاهة ويبقى غضب الشارع بالنسبة إليهم موسيقى تنذر بجولة جديدة حول الكرسي. لاحظوا هنا أن صانع الموسيقى لا يشارك في اللعبة. لا أحد منهم سأل الشباب عن رأيه في قانون اللعبة والمشاركين والأهداف.
أتساءل احيانا، ماذا لو أننا حملنا تحرك الشارع أكثر مما يحتمل؟ هل يمكن ان تكون تمثلاتنا لأهداف التحركات رومانسية عاطفية؟ لا أحد أقدر على الإجابة عن هذا السؤال من الشباب نفسه. لا بد عليه أن يتساءل عن الأسباب العميقة لتحركه؟ سمعت أحد المنظرين لحزب حاكم، ناعتا التحركات بالانقلابية ومتحدثا عن ضرورة التغيير من داخل المنظومة "الديمقراطية" حفاظا على "المسار الديمقراطي" وعن مساندته للتحركات طالما انحصرت في المطلبية المادية لعدد من العاطلين عن العمل. هنا مربط الفرس. من يحتج ولماذا؟
أعيد طرح السؤال بطريقة أخرى، ماذا لو كانت نتيجة "تسييس" حراك اجتماعي بحت مرتبط بمطالب مادية بحتة وبانتظارات محددة وقابلة للقياس هي تحديدا تهميش مطالب هؤلاء الشباب والركوب مجددا على غضبهم المشروع لتكون النتيجة الحتمية طعن مطالبهم والتخلي عنهم ما أن توقفت الموسيقى ليتسابق المتحزبون إلى أقرب كرسي في انتظار جولة جديدة ضاربين بعرض الحائط مطالب من أوصلوهم إلى مراتبهم الجديدة؟
لست ممن يطمئنون بسهولة إلى الإجماع والحقائق المسلمة وأؤمن بالجدلية وضرورة التشكيك الدائم في بنية أفكارنا.
ماذا تريد أيها الشباب؟ هل تريد من السلطة أن تأتي بالحل؟ هل تؤمن بهذا النظام؟ هل لديك ثقة في هذا النظام؟ هل تؤمن بالتفاوض مع النظام؟ هل يمكن أن يأتي الحل من هذه المنظومة أم أنك ستقرر أخيرا أن تؤسس الحل؟
لا أحد يملك أن ينوب الشباب في قرارهم هذا، وحدهم هم القادرون على تحديد مطالبهم بدقة. ومهما كانت هذه المطالب فلا يمكن لأحد التشكيك في حقهم في المطالبة بها بالأشكال التي يقررونها. ولكنني أسمح لنفسي من بي التعاطف أن أنبه من بعض المنزلقات، والكلام موجه إلى الشباب والمسؤولين:
- إلى المتخوفين من مصير
"كيان الدولة" أو مصالحهم الخاصّة : لا شيء غير العدل يمكن أن يضمن لكم
ولأبنائكم العيش المشترك والسلم الأهلي وذلك لا يتحقق إلى بمناصرة الضّعفاء
والوقوف مع الحقّ وإلّا انهار البيت على الجميع،
-إلى الشباب الغاضب، إذا كانت المطالب
منحصرة في بعدها المادي المرتبط بتشغيل عدد من العاطلين عن العمل دون أفق تغيير
جذري لسياسة إنتاج الثروة وتوزيعها فليعبر الشباب عن ذلك صراحة وليكف السياسيون عن
تحميل معاناة الشباب أكثر مما تحتمل،
- على الشباب أن يتساءل عن جدية
الاقتراحات التي قدمتها الحكومة والتي تعتبر في رأيي رسكلة لرزمة آليات مهترئة
تكرس الهشاشة والتبعية وغير قابلة للتطبيق (مثلا خصخصة الأراضي الاشتراكية غير
قابلة للتطبيق بل غير مجدية وبدل المزيد من تشتيت الأراضي الفلاحية على الدولة
مساعدة الشباب للتنظم في شكل تعاونيات لاستغلال تلك الأراضي عبر توفير التجهيز
والتمويل وتوفير الآبار العميقة....)،
- رسالة إلى كل من يتبنى خطاب التخوين والتخويف لتشويه الاحتجاجات تحت عنوان الحفاظ على كيان الدولة: لا يمكن أن يقتصر وجود الدولة على القمع بل إن دورها الطبيعي هو تأمين العيش المشترك عبر منع الاستغلال والاستعباد وضمان الحقوق الاجتماعية لمواطنيها وكلما انسحبت الدولة من دورها الاجتماعي كلما نزعت إلى الترهيب بل وحتى الإرهاب لتبرير وجودها باعتبارها تنفرد بالسلاح واستعمال العنف،
- إن الإمعان في انتهاج سياسة المراوحة بين الحلول التسكينية والتشويه لحراك سلمي اجتماعي مواطني سيزيد الطين بلة ذلك أنه سيفاقم من غضب الشباب والإحساس بال"حقرة" من جهة" وسيزيد في نسبة الإحباط والكفر بالسياسة والتحزب مما قد يدفع بالشباب إلى بدائل لا يؤمن بها ولكنها تبدو أكثر راديكالية وأكثر وضوحا،
- على الشباب الثائر أن يطرح بجدية ما إذا كانت المنظومة الحالية والمجال السياسي على شاكلته الفاسدة الحالية مناسبا لمجرد فرض حلول خاصّة لحالات فرديّة أم أنه سيطرح على نفسه ثورة جذرية يستعيد من خلالها المبادرة ويعيد فيها تصور العقد الاجتماعي الذي قد على مقاس أصحاب المال والأعمال ويطرح بالتالي تأسيسا جديدا يقلب سياسات إنتاج الثروة وتوزيعها ليلتفت إلى الداخل ويراهن على اقتصاد وطني يبسط سيادته على الأرض وباطنها ويسترد السلطة على الملح والنفط والماء والتراب؟
- رسالة إلى كل من يتبنى خطاب التخوين والتخويف لتشويه الاحتجاجات تحت عنوان الحفاظ على كيان الدولة: لا يمكن أن يقتصر وجود الدولة على القمع بل إن دورها الطبيعي هو تأمين العيش المشترك عبر منع الاستغلال والاستعباد وضمان الحقوق الاجتماعية لمواطنيها وكلما انسحبت الدولة من دورها الاجتماعي كلما نزعت إلى الترهيب بل وحتى الإرهاب لتبرير وجودها باعتبارها تنفرد بالسلاح واستعمال العنف،
- إن الإمعان في انتهاج سياسة المراوحة بين الحلول التسكينية والتشويه لحراك سلمي اجتماعي مواطني سيزيد الطين بلة ذلك أنه سيفاقم من غضب الشباب والإحساس بال"حقرة" من جهة" وسيزيد في نسبة الإحباط والكفر بالسياسة والتحزب مما قد يدفع بالشباب إلى بدائل لا يؤمن بها ولكنها تبدو أكثر راديكالية وأكثر وضوحا،
- على الشباب الثائر أن يطرح بجدية ما إذا كانت المنظومة الحالية والمجال السياسي على شاكلته الفاسدة الحالية مناسبا لمجرد فرض حلول خاصّة لحالات فرديّة أم أنه سيطرح على نفسه ثورة جذرية يستعيد من خلالها المبادرة ويعيد فيها تصور العقد الاجتماعي الذي قد على مقاس أصحاب المال والأعمال ويطرح بالتالي تأسيسا جديدا يقلب سياسات إنتاج الثروة وتوزيعها ليلتفت إلى الداخل ويراهن على اقتصاد وطني يبسط سيادته على الأرض وباطنها ويسترد السلطة على الملح والنفط والماء والتراب؟
أيوب المسعودي
23 جانفي 2016