كان جليا أن الهجمة الإرهابية الأخيرة في بن قردان أحدثت رجة إيجابية بكل المقاييس. كان لهذه الرجة فضل زعزعة مقولات "الحاضنة الشعبية" وتبدد طموحات التمدد لدى المجاميع الإجرامية على تراب تونس بعد أن تصدت لها القوات المسلحة الوطنية بكل تشكيلاتها مسنودة بمواطني بن ڤردان خاصة والشعب التونسي عامة. فشل مخطط الإرهابيين الذي لا نعلم دقائقه وأهدافه ولا يسعنا إلا أن نترك رجال الجيش والأمن والاستخبارات يقومون بدورهم بعيدا عن الاستثمار السياسي والتجييش الحزبوي المقيت والادعاء في علوم الحرب معرفة. لنتركهم يعملون ولنضع نصب أعيننا، كفاعلين مدنيين أو سياسيين أو إعلاميين عددا من المحاذير:
أول هذه المحاذير وأهمها تجنب الفهم السطحي لظاهرة الاستقطاب الجهادي والتعنت في رفض التحليل المادي الاجتماعي لتركز الاستقطاب حول أوساط اجتماعية بعينها مع استثناءات هامشية. هنا يكمن قلب الرحى، كانت الثورة مبعثا للأمل لدى طيف هام من الشباب ممن ضاقوا ذرعا بشساعة البون بين طبقة أقلية طفيلية لم تكن تخفي مظاهر بذخها وتوسع نفوذها وثرائها وطبقة الأحواز والهامش التي أنهكها العوز والفقر. كانت الثورة نوعا من الزلزال الذي كان بالإمكان أن يعيد خلط الأوراق وتوزيع الطبقات كما الطبقات الجيولوجية بعد انفجار البراكين أو هزات الزلازل... كان الحلم كبيرا، ولكنه كان أكبر من الطبقة السياسية، وهي أقلية أخرى مختلفة عن تلك التي تحدثت عنها سابقا، إنها فئة الأقلية المنظمة والتي سرعان ما التفت على روح الثورة وأهدافها. على رأس هذه الفئة حركة النهضة وما يدور في فلكها من أحزاب ما يسمى بالإسلام السياسي وكل من يرفعون شعار "الإسلام هو الحل" والذين سيُظهرون، بسرعة، نيتهم الحقيقية المتخفية وراء الشعار "الطوباوي" الخادع، فالسلطة والسلطة وحدها هي التي تحدد خيارات هؤلاء وسيجدون في مقولات "التكتيك" والمرحلية... والتوافق والحوار... تبريرات ومسوغات ستتدعم أكثر في ظل التهديد الإرهابي الذي صار العدو الأول قبل محاربة الفساد والحيف الجهوي والطبقي ووو...ما لم يتفطن له كثيرون هو أن خيانة من يسمون أنفسهم "معتدلين"، من رافعي شعار الإسلام هو الحل، لجذرية الثورة ومطالبها ستدفع بعدد هام من الشباب الثائر الذي صدق ذلك الشعار إلى من هم راديكاليون، شكلا على الأقل، في وفاءهم للشعار ذاته فيعدون له العدة من السلاح ليرهبوا به العدو ويؤسسوا دولتهم المجسدة لعالمهم الطوباوي المثالي الموهوم... ما لم يقله المعتدلون من الإسلامجيين المعتدلين والمتطرفين على حد السواء، هو أنه في أوج العصر الذهبي للخلافة الإسلامية اندلعت ثورات اجتماعية على أساس طبقي مادي، ولكم في كتابات الشهيد حسين مروة أمثلة عديدة من ثورة الزنج إلى البابكية... هم لم ولن يعترفوا بذلك كما لن يعترفوا بالخلفيات المادية للفتنة الكبرى وتكديس رأس المال المنهوب من بيت مال المسلمين في بيت بني أمية... هم لم ولن يعترفوا أن الدولة الإسلامية، حالما استقرت حدودها في أواخر عهد عثمان وتوقفت عن توزيع الفيء وإنتاج طبقة مالكة متوسطة من قدماء الجنود الذين شاركوا في الغزوات بدأت مشكلة تكديس رأس المال عند فئة بعينها وأن القرار السياسي المركز في المدينة لم يعد يتماشى مع طبيعة الدولة المركبة والممتدة... هم يريدون مواصلة تغذية الوهم بل وأكثر من ذلك يجزمون ويحرمون المطلبية الاجتماعية بينما يتقاسمون هم غنيمة الثورة ويمررون قوانين النهب المقنن في جنح الظلام عندما كانت العقول مشدودة إلى بن قردان. إن الاعتراف بالمسألة المادية وأولويتها والاعتراف بوهن الشعار الإسلامي والعودة إلى العقل والساعد كطريق للخلاص والانعتاق هو بداية الحل.
ثاني هذه المحاذير هو أن يقابل النجاحَ العسكري "العملياتي" سقوطٌ "أخلاقي"، وهنا لا بد للعودة إلى قضية "سلفي الجنود". إن ما يفرق بين الدولة والتنظيمات الإرهابية هو الأخلاق لا القانون. يقول مونتسكيو "اندثار الدول يأتي من الانحطاط الأخلاقي لا التجاوز القانوني". قد يرى البعض في هذا مبالغة، وقد يندفع كثيرون وراء العاطفة والرغبة الشبه غريزية في التشفي من العدو وهو أمر يمكن تفهمه، ولكن ذلك لا يجب أن ينسينا أننا إزاء حرب طويلة ستضع ضميرنا وديننا وتقاليدنا أمام اختبار. لا سبيل في هذه المحنة الجماعية أن نهزم العدو ثم ننهزم أمام غرائزنا البدائية. من يريد أن ينتصر للجيش التونسي فليدافع عن قيم ومثل تكون نقيضا للمفهوم الداعشي للحرب التي هي عندهم مشهدية واستعراض هوليوودي للقتل والتعذيب والتنكيل بالجثث.
الإرهابي التونسي الذي حمل السلاح ضد شعبه وأرضه هو تونسي قبل كل شيء، أي أنه إفراز من إفرازات المجتمع التونسي، وإذا نظرنا إلى الفئة العمرية لهؤلاء سنجد أنهم أبناء بن علي وخريجو مدرسته ومعاهده وكلياته... هل طرحنا على أنفسنا السؤال التالي: ما هي مسؤولية الدولة في ما حصل في بن قردان وقبلها في باردو وسوسة والشعانبي ووو، أم أننا سنكتفي بالقول أنهم من كوكب آخر ولا ينتمون لجنس البشر ومن المشروع التنكيل بهم كما قال وزير التهريج وزعيم الشعبوية؟ ألا تُسقط الدولة، عبر هذا الخطاب، مسؤوليتها عن هذا الإرهابي الإنسان، عندما تجرده من إنسانيته لتنفي بالتالي وجود الصراع الطبقي وراء ذلك فتتقاطع مع مقولات الإسلام السياسي؟
ثالث المحاذير وليس أقلها خطورة هو السقوط في الشعبوية وحتى الشعوبية والشوفينية القومية في بعدها القُطري الضيق. إن الرجة الإيجابية لأحداث بن قردان والتفاف المواطنين حول مؤسساتهم الأمنية يدعو إلى التفاؤل، ولكن ذلك لا يجب أن يفقدنا البوصلة ويحول الإرهابيين إلى محددين للسياسات والرزنامات والأولويات. كما أن انتشار خطاب "التونسي ما كيفو حد"، والإغراق في خطاب الاعتداد بالذات والتسويق للنصر الناصع قد يرتد علينا سلبا. التونسي بشر كسائر البشر لا يقل عن الكوري ذكاء ولا يفوقه ووحدها العوامل الاجتماعية والثقافية المعتملة عبر التاريخ هي التي نحتت طريقة تفكيره وتعامله مع قدراته وصعوباته وكل ما نصبو إليه هو رفع تحدياتنا الذاتية كما المشتركة داخل دولة يحكمها القانون والعقلانية. إن أي خطاب من نوع "أحنا ما كيفنا حد" وتصوير الانتصار على أنه نهائي وحتمي أمر مقبول عندما يكون الهدف هو شحذ الهمم والدعم النفسي لقواتها المسلحة وتقويم عود العصبية التي هي أساس وجود الدول كما بين بن خلدون، ولكن الخطر يكمن في تحويل وجهة هذا الخطاب ليتحول إلى نوع من التنفيس الجماعي مع تمييع القضايا الحارقة التي ينتظرها التونسيون من محاربة للفساد وجباية عادلة واستثمار في الجهات الداخلية. كثيرا ما كان وجود العدو الخارجي وازعا لإعادة اللحمة في المجتمعات ولكن هل أن الخطر الكامن فعلا خارجي في حالتنا التونسية؟ هل فعلا نحن التونسيون فريدون مثاليون؟ ألا يكمن الوهن في البنية الاجتماعية والتربوية وعلاقات الإنتاج وتوزيع الثروة؟ أسئلة كثيرة حان وقت طرحها بجدية بعيدا عن الحماس الكاذب الذي يخفي ضمورا فكريا وفقرا برامجيا.
أول هذه المحاذير وأهمها تجنب الفهم السطحي لظاهرة الاستقطاب الجهادي والتعنت في رفض التحليل المادي الاجتماعي لتركز الاستقطاب حول أوساط اجتماعية بعينها مع استثناءات هامشية. هنا يكمن قلب الرحى، كانت الثورة مبعثا للأمل لدى طيف هام من الشباب ممن ضاقوا ذرعا بشساعة البون بين طبقة أقلية طفيلية لم تكن تخفي مظاهر بذخها وتوسع نفوذها وثرائها وطبقة الأحواز والهامش التي أنهكها العوز والفقر. كانت الثورة نوعا من الزلزال الذي كان بالإمكان أن يعيد خلط الأوراق وتوزيع الطبقات كما الطبقات الجيولوجية بعد انفجار البراكين أو هزات الزلازل... كان الحلم كبيرا، ولكنه كان أكبر من الطبقة السياسية، وهي أقلية أخرى مختلفة عن تلك التي تحدثت عنها سابقا، إنها فئة الأقلية المنظمة والتي سرعان ما التفت على روح الثورة وأهدافها. على رأس هذه الفئة حركة النهضة وما يدور في فلكها من أحزاب ما يسمى بالإسلام السياسي وكل من يرفعون شعار "الإسلام هو الحل" والذين سيُظهرون، بسرعة، نيتهم الحقيقية المتخفية وراء الشعار "الطوباوي" الخادع، فالسلطة والسلطة وحدها هي التي تحدد خيارات هؤلاء وسيجدون في مقولات "التكتيك" والمرحلية... والتوافق والحوار... تبريرات ومسوغات ستتدعم أكثر في ظل التهديد الإرهابي الذي صار العدو الأول قبل محاربة الفساد والحيف الجهوي والطبقي ووو...ما لم يتفطن له كثيرون هو أن خيانة من يسمون أنفسهم "معتدلين"، من رافعي شعار الإسلام هو الحل، لجذرية الثورة ومطالبها ستدفع بعدد هام من الشباب الثائر الذي صدق ذلك الشعار إلى من هم راديكاليون، شكلا على الأقل، في وفاءهم للشعار ذاته فيعدون له العدة من السلاح ليرهبوا به العدو ويؤسسوا دولتهم المجسدة لعالمهم الطوباوي المثالي الموهوم... ما لم يقله المعتدلون من الإسلامجيين المعتدلين والمتطرفين على حد السواء، هو أنه في أوج العصر الذهبي للخلافة الإسلامية اندلعت ثورات اجتماعية على أساس طبقي مادي، ولكم في كتابات الشهيد حسين مروة أمثلة عديدة من ثورة الزنج إلى البابكية... هم لم ولن يعترفوا بذلك كما لن يعترفوا بالخلفيات المادية للفتنة الكبرى وتكديس رأس المال المنهوب من بيت مال المسلمين في بيت بني أمية... هم لم ولن يعترفوا أن الدولة الإسلامية، حالما استقرت حدودها في أواخر عهد عثمان وتوقفت عن توزيع الفيء وإنتاج طبقة مالكة متوسطة من قدماء الجنود الذين شاركوا في الغزوات بدأت مشكلة تكديس رأس المال عند فئة بعينها وأن القرار السياسي المركز في المدينة لم يعد يتماشى مع طبيعة الدولة المركبة والممتدة... هم يريدون مواصلة تغذية الوهم بل وأكثر من ذلك يجزمون ويحرمون المطلبية الاجتماعية بينما يتقاسمون هم غنيمة الثورة ويمررون قوانين النهب المقنن في جنح الظلام عندما كانت العقول مشدودة إلى بن قردان. إن الاعتراف بالمسألة المادية وأولويتها والاعتراف بوهن الشعار الإسلامي والعودة إلى العقل والساعد كطريق للخلاص والانعتاق هو بداية الحل.
ثاني هذه المحاذير هو أن يقابل النجاحَ العسكري "العملياتي" سقوطٌ "أخلاقي"، وهنا لا بد للعودة إلى قضية "سلفي الجنود". إن ما يفرق بين الدولة والتنظيمات الإرهابية هو الأخلاق لا القانون. يقول مونتسكيو "اندثار الدول يأتي من الانحطاط الأخلاقي لا التجاوز القانوني". قد يرى البعض في هذا مبالغة، وقد يندفع كثيرون وراء العاطفة والرغبة الشبه غريزية في التشفي من العدو وهو أمر يمكن تفهمه، ولكن ذلك لا يجب أن ينسينا أننا إزاء حرب طويلة ستضع ضميرنا وديننا وتقاليدنا أمام اختبار. لا سبيل في هذه المحنة الجماعية أن نهزم العدو ثم ننهزم أمام غرائزنا البدائية. من يريد أن ينتصر للجيش التونسي فليدافع عن قيم ومثل تكون نقيضا للمفهوم الداعشي للحرب التي هي عندهم مشهدية واستعراض هوليوودي للقتل والتعذيب والتنكيل بالجثث.
الإرهابي التونسي الذي حمل السلاح ضد شعبه وأرضه هو تونسي قبل كل شيء، أي أنه إفراز من إفرازات المجتمع التونسي، وإذا نظرنا إلى الفئة العمرية لهؤلاء سنجد أنهم أبناء بن علي وخريجو مدرسته ومعاهده وكلياته... هل طرحنا على أنفسنا السؤال التالي: ما هي مسؤولية الدولة في ما حصل في بن قردان وقبلها في باردو وسوسة والشعانبي ووو، أم أننا سنكتفي بالقول أنهم من كوكب آخر ولا ينتمون لجنس البشر ومن المشروع التنكيل بهم كما قال وزير التهريج وزعيم الشعبوية؟ ألا تُسقط الدولة، عبر هذا الخطاب، مسؤوليتها عن هذا الإرهابي الإنسان، عندما تجرده من إنسانيته لتنفي بالتالي وجود الصراع الطبقي وراء ذلك فتتقاطع مع مقولات الإسلام السياسي؟
ثالث المحاذير وليس أقلها خطورة هو السقوط في الشعبوية وحتى الشعوبية والشوفينية القومية في بعدها القُطري الضيق. إن الرجة الإيجابية لأحداث بن قردان والتفاف المواطنين حول مؤسساتهم الأمنية يدعو إلى التفاؤل، ولكن ذلك لا يجب أن يفقدنا البوصلة ويحول الإرهابيين إلى محددين للسياسات والرزنامات والأولويات. كما أن انتشار خطاب "التونسي ما كيفو حد"، والإغراق في خطاب الاعتداد بالذات والتسويق للنصر الناصع قد يرتد علينا سلبا. التونسي بشر كسائر البشر لا يقل عن الكوري ذكاء ولا يفوقه ووحدها العوامل الاجتماعية والثقافية المعتملة عبر التاريخ هي التي نحتت طريقة تفكيره وتعامله مع قدراته وصعوباته وكل ما نصبو إليه هو رفع تحدياتنا الذاتية كما المشتركة داخل دولة يحكمها القانون والعقلانية. إن أي خطاب من نوع "أحنا ما كيفنا حد" وتصوير الانتصار على أنه نهائي وحتمي أمر مقبول عندما يكون الهدف هو شحذ الهمم والدعم النفسي لقواتها المسلحة وتقويم عود العصبية التي هي أساس وجود الدول كما بين بن خلدون، ولكن الخطر يكمن في تحويل وجهة هذا الخطاب ليتحول إلى نوع من التنفيس الجماعي مع تمييع القضايا الحارقة التي ينتظرها التونسيون من محاربة للفساد وجباية عادلة واستثمار في الجهات الداخلية. كثيرا ما كان وجود العدو الخارجي وازعا لإعادة اللحمة في المجتمعات ولكن هل أن الخطر الكامن فعلا خارجي في حالتنا التونسية؟ هل فعلا نحن التونسيون فريدون مثاليون؟ ألا يكمن الوهن في البنية الاجتماعية والتربوية وعلاقات الإنتاج وتوزيع الثروة؟ أسئلة كثيرة حان وقت طرحها بجدية بعيدا عن الحماس الكاذب الذي يخفي ضمورا فكريا وفقرا برامجيا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire