تابعت بتمعن و فضول كبيرين فحوى خطاب الباجي قايد السبسي بالأمس، و أدنى ما يمكن أن أقول فيه أنه كان خاويا بلا روح و لا معنى و دون الحد الأدنى المطلوب في المرحلة التاريخية التي تمر بها تونس. فالباجي قايد السبسي اكتفى بوصف صورة وردية لفترة حكمه القصيرة و المليئة بالأخطاء و التعثرات و التي اتسمت بالارتباك و رداءة الأداء. ما لفت انتباهي خاصة هو طريقة تعامله مع من حاول معارضته أو الإدلاء برأي مخالف له داخل قصر المؤتمرات و شكره لكل من صفق له أو أيد ما قاله. أضف إلى ذلك أن باجي قايد السبسي لم يتناول لا من قريب و لا من بعيد أداء الحكومة فيما يخص الإصلاحات السياسية الضرورية و التي من دونها لا يمكن للمرحلة الانتقالية النجاح و لا يمكن ضمان إجراء انتخابات حرة شفافة و غير قابلة للتشكيك. و كأني بهذه الحكومة مدمنة على حقن التذكير بدورها التاريخي الذي لم تبد أي إرادة صادقة في تحمله بجدية إلى حد الآن، لذلك لن نبخل عليها بالتذكير، لعل في ذلك فائدة ترجى.
يبدو أن الباجي قايد السبسي تغافل كليا عن الأحداث الخطيرة التي استجدت في تونس مؤخرا مترجمة انفلاتات أمنية في جهات شتى من تراب الجمهورية و التي توازت مع حملة من الانتهاكات و التجاوزات من قبل رجال الأمن ضد صحفيين و إعلاميين و مواطنين. كما أنه تناسى مسؤولية الحكومة المؤقتة و الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و الإصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي و الهيئة المستقلة للانتخابات في ما آل إليه الوضع الراهن. نذكر في نفس السياق بالنقاط التالية:
- دور الحكومة الانتقالية التي و إن افتقرت لأي شرعية، أجمع الشارع التونسي في بداية توليها للسلطة على ضرورة منحها ثقته قصد الخروج من الفراغ السياسي الخطير عبر تنظيم انتخابات تأسيسية هي المطلب الشعبي الأساسي و المجمع عليه من قبل أغلبية التونسيين،
- فشلت الحكومة في امتحانها الأول و المتمثل في الالتزام بتاريخ 24 جويلية 2011 الذي أعلنت عنه منذ توليها للسلطة كتاريخ انتخاب مجلس تأسيسي يسن دستورا جديدا للبلاد بل إنها كانت المسؤول الأساسي إلى جانب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و الإصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي عن هذا التأخير نتيجة ارتباك الأداء و ضبابية القرارات و الخيارات و انعدام التشاور و البحث عن التوافق،
- فوتت الحكومة الانتقالية على التونسيين فرصة الإسراع في الخروج من الصعوبات الاقتصادية و الأمنية التي تعرفها البلاد بل زادت الطين بلة بالنظر إلى قرار تسمية الحبيب الصيد وزيرا للداخلية على الرغم من توليه مناصب قيادية في وزارة الداخلية خلال سنوات الجمر التي عرف فيها المعارضون المناضلون أشرس أنواع التعذيب و التنكيل،
- لم تظهر الحكومة أي نية صادقة و لو في التمهيد لأي إصلاحات جذرية من شأنها أن تطمئن الشارع التونسي و تركز التوافق الهش الذي يسود الساحة السياسية، و نذكر أن الحكومة لم تقم بأي خطوات إيجابية مثلا في سبيل إصلاح القضاء أو تحرير الإعلام و الصحافة بل خلافا لما كان يرجوه الشارع وقع التنكيل بصحفيين و الاعتداء عليهم في عقر دارهم،
- فيما يخص القضاء، تعددت الشكاوى من التباطؤ و التخاذل في محاسبة مجرمي النظام السابق و التعتيم الإعلامي الذي يسود هذه الملفات الخطيرة،
- في الملف الأمني، لم تتخذ الحكومة أي إجراءات جدية من أجل الحل الفعلي للبوليس السياسي و اكتفت الحكومة بمجرد إعلان عن حل هذا الجهاز السرطاني دون أدنى توثيق أو تعداد جدي للموارد البشرية و المادية التي كان و مازال يتمتع بها. في هذا الصدد، من الضروري الإعلان عن قائمة المتورطين في هذا الجهاز للتثبت من ملاحقتهم عدليا و تفصيل تنظيمهم و طريقة هيكلتهم. و من الواضح أن أحداث المتلوي الأخيرة قد كشفت عن عجز الحكومة في أحسن تقدير و تخادهلها في أسوء الأحوال في الشروع الصادق نحو حل البوليس السياسي الذي بدأ يوزع الأسلحة و الذخيرة الحية ليشعل نار الفتنة في تونس الغالية،
الحكومة المؤقتة لا تملك أي شرعية تسمح لها بالنظر في أي مشروع تداين ترهن به سيادة تونس و مستقبل شبابها. كما أن التداين من شأنه أن يعمق الأزمة و يثقل كاهل شبابنا الذي قام بالثورة للتحرر من كل وصاية و تبعية. و من المبكي المضحك أن تحاول حكومة مؤقتة تكبيل شبابنا للأبد بعد أن قام نفس الشباب بسحق طاغية حكم لمدة ربع قرن,
ليس الأهم الإعلان عن موعد للانتخابات و إنما الأهم وضع رزنامة عمل واضحة و ملزمة في أقرب الآجال و وضع آليات متابعة و تدارك و تصحيح لعمل الحكومة و الهيئة المستقلة للانتخابات حتى لا نقع ثانية في التأخير و كل ما ينجم عنه من ارتباك في الشارع .
أخيرا، على الشعب التونسي أن يقف صفا واحدا ضد كل المؤامرات التي تحاك ضده و التمسك بالانتخابات التأسيسية التي تمثل مطلبا شعبيا لا رجوع فيه. أعداء الشعب هم هؤلاء المشككون من قوى الردة و أعداء الثورة الذين يريدون الالتفاف على كلمة الشعب. الشعب قال كلمته و هو صاحب السيادة لا يعلو على صوته صوت. إن لم تشرع الحكومة في تطهير الأمن و رفع وصايتها عن القضاء و و ضع آليات لضمان حياد الإعلام، و هي الشروط الثلاثة الضرورية لضمان إنجاح الانتخابات، فإن الشعب سيضطر إلى النزول إلى الشارع ثانيا و ثالثا و رابعا و ستتحمل الحكومة مسؤولية ترد الأوضاع آنذاك و دخول البلاد في مرحلة مجهولة العواقب.
أيوب المسعودي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire