Designed by Freepik

mercredi 30 octobre 2013

سيدي بوزيد... والإرهاب



سيدي بوزيد والإرهاب


أيوب المسعودي

29 أكتوبر 2013


انتقلت يوم أمس الثلاثاء إلي سيدي بوزيد وخاصة معتمدية سيدي علي بن عون، مسرح العملية الإرهابية التي أودت مؤخرا بحياة عدد من أبنائنا الأمنيين أثناء قيامهم بالواجب المقدس، ومعتمدية بئر الحفي المحاذية لها فكان لي حديث مطول مع بعض أبناء المنطقة وأحد جرحى الأمنيين. سأحاول في هذا المقال، قدر المستطاع، تناول المسألة من زاوية تحليلية عقلانية اجتماعية وانطلاقا من عقيدة التأسيس التي تحدثت عنها، بعيدا عن الشيطنة أو التمجيد لهذا أو ذاك. كلامي هنا قد لا يعجب البعض ولكنه ينطلق من واجبي الوطني وغيرتي على الأمنيين الذين بعثوا إلى جبهة الموت دون الاستعداد الكافي.


عملية سيدي علي بن عون؟

في مسرح الجريمة : ما بعد العملية

انتقلنا أولا، رفقة بعض الأصدقاء، إلى مسرح المجزرة التي جدت في المنطقة الفاصلة بين المعهد الثانوي بسيدي علي بن عون والسلسلة الجبلية الواقعة وراءه. لم يسهل التعرف على موقع المنزل الذي تحصن به الإرهابيون ولم يتسنى لنا الوصول إلى المكان إلا بمعونة بعض المتساكنين، اكتشفنا حينئذ أن المنزل نسف نسفا فلم يعد يظهر للعيان من بعيد وقد استوى مع الأرض وسط سلسلة من غابات الزيتون والتين الشوكي اتي تشقها طرقات وعرة ومتشعبة.

أول ما يلفت الانتباه عند الوصول هو انتشار عدد من الأغراض الخاصة والملابس والأفرشة على الأرض ووسط الركام المتروك دون حراسة أو مراقبة. عدد كبير من هذه الملابس (أنظر الصور أسفله) لم تطلها النيران وبقيت ملقاة على الأرض وسط الركام، وهنا أتساءل أين الشرطة الفنية وفرقة مكافحة الإرهاب ولماذا لم تجمع تلك الأغراض للقيام بتحاليل فنية ورفع البصمات أو أي آثار للحمض النووي للإرهابيين... ولماذا لم يتم تطويق المكان وحماية المدنيين بمنعهم من الولوج إليه خاصة وأن المنزل كان يستخدم لتوزيع السلاح والمتفجرات وما يستتبعه ذلك من إمكانية وجود مواد متفجرة أو كيميائية خطيرة...


في أطوار العملية وغياب الخطة الأمنية

بعد الحديث إلى عدد من المتساكنين بسيدي على بن عون، انتقلنا إلى منزل أحد الأمنيين الذين أصيبوا في المواجهة للاطمئنان على حالته الصحية والشد على يده. لحسن حظه، تلقى ابراهيم رصاصة جانبية اخترقت فخذه الأيمن دون أن تمس العظم وخاصة دون النيل من معنوياته العالية التي وجدناه عليها، بالرغم من استيائه لعدم زيارته من قبل المسؤولين المحليين والجهويين بالولاية. تحدث إلينا ابراهيم بكثير من الأريحية والصراحة الممتزجة بالانضباط العسكري وقوة العزيمة والرغبة في الحفاظ على قدر عال من المهنية لينقل لنا ما دار أمام أعينه بكل موضوعية وتجرد.

لقد اعترف بكل شجاعة أن عملية سيدي علي بن عون كانت فاشلة بكل المقاييس حيث أشار النقائص التالية:

- غياب المعلومة الضافية والاستعداد الكافي قبل العملية : حيث أورد أن المسؤول الأمني (دون ذكر إسمه أو رتبته) الذي اجتمع بهم للإعداد للعملية اقتصر على الإشارة إلى "وجود معلومات حول تواجد مجموعة إرهابية متحصنة بالمنزل المذكور... ومتوفرة على كمية هامة من الأسلحة والذخيرة ويتراوح عددهم بين 20 و 25..."، دون الإشارة إلى تاريخ ورود المعلومة وتاريخ تحصن الإرهابيين ومدى استعدادهم وماهية نواياهم وخططهم ونوعية السلاح التي يحملونها...
- غياب الخطة الأمنية :  ما زاد الطين بلة هو غياب الخطة الأمنية لكيفية تموقع الأمنيين الذين أتوا على متن سبع سياسات وعدم التفكير في تطويق المكان قبل الهجوم وجس النبض ومحاصرة الإرهابيين من بعيد والتمركز مثلا في غابات الزيتون الخلفية مثلا لمنعهم الهروب إلى المناطق الجبلية... هذا علاوة على الإشارة إلى قدوم التعزيز بعد ساعة من المواجهة وسقوط شهداء مما أتاح الوقت للإرهابيين للهروب والتفرق بل وأيضا إطلاق النار من بعيد على الأمنيين بعد الهروب... ومما لفت انتباهي هو وصف ابراهيم للعملية بأنها كانت أشبه بتلك العمليات الكلاسيكية التي كانوا ينفذونها في جرائم تهريب الوقود أو الخمر... حيث صرح بأنهم كانوا متوقعين الاشتباك مع مجموعة تحمل أسلحة بيضاء لا إرهابيين مدججين بالسلاح والرشاشات وعلى أهبة لإطلاق النار من كل المنافذ والثقب التي أحدثها الإرهابيون في حصنهم وأطلقوا منها النيران قبل الهروب من الخلف، وما أدل على ذلك من وصفه لغياب تأهب الأمنيين لإطلاق النار حيث اصطفوا أمام المنزل متأهبين للموت لا للقتل...
- مبعوثون إلى الموت : صرح ابراهيم أن جل الأعوان الذين كانوا في الجبهة لم يكونوا يرتدون صدريات واقية وأن بعض الأعوان يحملون مسدسات بسيطة ذات مخازن صغيرة لا يتجاوز مداها عشرة أمتار ولاتزن شيئا في معادلة المواجهة مع إرهابيين يتوفرون على رشاشات وأسلحة متطورة،
- اجتماعات تحضيرية للإرهابيين بعلم الداخلية : وحسب نفس المصدر، فقد حضر خميس الماجري إلى سيدي على بن عون في الأيام الأخيرة قبل العملية للاجتماع بال"شباب السلفي" في المنطقة (وأستعمل عبارة "الشباب السلفي" بكثير من الاحتراز) وإمامة صلاة الجمعة...

وجوهر القول في هذا الجزء الأول أنه بعد الثورة لابد لكل مسؤول في الدولة أن يخضع للمساءلة والمحاسبة مهما علا منصبه، وأنا أطالب أن يفتح تحقيق عاجل في أسباب فشل عملية سيدي على بن عون ولاستجلاء الحقيقة في من وضع الخطة الأمنية (إن وجدت) ولماذا تأخر التعزيز بعد المواجهة وما سر الاجتماعات الألفية التي يعقدها "الإرهابيون" بعلم من وزارة الداخلية وهل تم التحري في مضمون هذه الاجتماعات وخلفياتها...؟ أسئلة أسوقها وأرسل بها خاصة إلى نقابات الأمن التي من واجبها التحري في الأمر وحماية مصالح الأمنيين وخاصة الأعوان الذين يواجهون الموت، فهل ستتحمل نقابات الأمن مسؤوليتها وتكشف الحقائق؟ هناك مسؤولون وقادة أمنيون قصروا في أداء مهماتهم بدءا من وزير الداخلية ورئيس الحكومة الذان يتحملان المسؤولية الأكبر في ما حدث في سيدي على بن عون خاصة وأنها لم تكن العملية الأولى من نوعها بعد عملية قبلاط، والسؤال الأهم الذي أطرحه، متى سيحاكم علي العريض على تقصيره في مسألة الإرهاب منذ توليه السلطة كوزير للداخلية، متى ستحاكم كل القيادات السياسية الني شجعت أو حرضت على الإرهاب؟ 

عندما يتحول شباب الثورة إلى حطب محرقة : أصل الداء

هل حدثتكم عن أنيس بڤاندا؟ إنه إسم شهرة لأحد شباب الثورة من سيدي بوزيد، شباب القصبة 1، وكم هم كثيرون أولئك الشباب الذي حرروا التونسيين من ربقة الاستبداد وأخرجوهم من الظلمات إلى النور ليقبعوا هم في عتمة الفقر والبطالة والذل، لم يجنوا من ثورتهم المغدورة سوى الجراح والرش وكل أشكال الإهانة والإذلال بينما يتربع غيرهم على عرش الحكم يتقاضون أجورهم بالأورو وتتجاوز مرتباتهم الشهرية إلى ما يتقاضاه عامل الحضائر سنويا.
هل تعرفون ماذا كان مصير أنيس بڤاندا؟ لقد مات أنيس في المحرقة السورية، مثله مثل الكثير من شباب الثورة الذين اختاروا طريق ليبيا ثم أنطاكيا ثم سوريا. هكذا اختار أنيس طريق الموت ولكنه أبى إلا أن يطبع موته بنوع من القداسة والأسطورة التي يحفظها الآن جزء من شباب سيدي بوزيد وغيرهم من شباب الجهات المنسية كنماذج من الموت البطولي التي انتشلت أنيس من المصير المخزي والموت البطيء لشباب صنع ثورة فكان مصيره النسيان والهوان.
لقد أسرّ لي، منذ أسابيع، أحد الأصدقاء من شباب الثورة في سيدي بوزيد (وأحد وجوه القصبة 1 و 2) عن نيته السفر مع مجموعة من الشباب إلى ليبيا قبل الانتقال بعد ذلك إلى سوريا. كانت صدمتي كبيرة من هول ما سمعت، فلم ألمس منه إلا حب الحياة وقوة الإرادة وصلابة الشخصية وروح الاكتساب والجهد. نجحت بفضل الله وبكثير من الحوار وخاصة الإصغاء في ثنيه عن هذا الطريق، طريق الدمار والموت. لم يتطلب مني ذلك أكثر من جهد الاستماع والإصغاء وعبارات التشجيع والدعوة إلى الرشد والتعقل.
 ما لم نقف وقفة تأمل هنا، في هذه الحالة الشاخصة أمامنا، ونستشعر عمق هذه  الفكرة الفارقة، هذه الأزمة التي هي أصل الداء، فلن نلج إلى الحل وسنظل نحارب السراب. 

عندما كتبت مقال "سيدي بوزيد والمافيا" منذ ما يزيد عن السنة، حذرت مما أسميته "غياب أو انسحاب الدولة" فكتبت :
"لا يمكن أن يفوت كل من يزور سيدي بوزيد أو زارها ملاحظة أمرين مدهشين، أوَلا غياب (أو انسحاب) شبه كلي للدولة اجتماعيا واقتصاديا مع حضور قوي للقمع البوليسي وثانيا استماتة في المطالبة بالكرامة الاجتماعية والحق في الشغل ومقاومة الاستبداد الجديد دون أن يمنع كل ذلك أهالي المنطقة من الأمل وحب العيش."

لم يتغير المشهد كثيرا مذلك الوقت، وكأن عقارب التاريخ توقفت. فقط تم تغيير الأزياء والأسماء، لقد صار شباب الثورة "إرهابيين" والقمع "حربا على الإرهاب". سأتوقف هنا لأفسر الجملة السابقة لخطورة الفكرة، وهي حمالة أوجه ومعاني وتقبل أكثر من تأويل. وحتى لا أتهم بشق صفوف الحرب على الإرهاب، دعوني أفسر:

في نفس المقال المذكور سابقا، كتبت : "انسحبت الدولة من كل المجالات، عدا القمع لحماية النظام من المواطنين متخلية عن حماية المواطنين. فيكفي أن تعلم أن أصدقاءنا في سيدي بوزيد منعونا من العودة إلى العاصمة ليلا خوفا علينا من قطاع الطرق، ولم نر في المقابل أثرا لدوريات حرس طول الطريق الفاصلة بين سيدي بوزيد ومدخل القيروان (طريق نصر الله...) رغم أن الطريق وعرة ومظلمة...".


وهنا من حقنا أن نتساءل، ألم يترك النظام، نظام 07 نوفمبر الذي لم يسقط بعد، الأمور تتعفن في سيدي بوزيد والقصرين والكاف وغيرها من الولايات التي قادت الثورة بالانسحاب وترك المجال ل"العصابات الاقتصادية" المرتبطة بالنظام القديم والجديد؟ ألم تنسحب الدولة من كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية تاركة شباب الثورة يواجه مصيره ليكون خياره في آخر المطاف بين طريقين للموت، لمبدوزا أو سوريا؟ الطبيعة لا تحب الفراغ واليأس يولد الدمار. ألم يرتم الشباب في حضان الإرهابيين والتكفيريين أملا في الآخرة بعد اليأس من الدنيا؟ هل توجه الساسة إلى هذا الشباب "السلفي الجهادي" الذي يدفعه الكل إلى العزلة بقصفه عبر التشويه الإعلامي من جهة والدعاوى التكفيرية الداعية إلى الجهاد باسم نصرة الدين والمشروع الإسلامي...؟ ألا يساهم الإعلام الرسمي وقنوات وصحف حركة النهضة في خلط الأوراق والتشجيع على الإرهاب عندما تكتب جريدة الضمير أن "هناك مؤامرة ضد الشباب السلفي والمشروع الإسلامي"؟ وماذا فعلت حكومتكم المجرمة لانتشال هذا الشباب من عتمة الفقر والبؤس؟

روى لي أكثر من شاب قصته مع والي الجهة وكيف يتم تجاهل مبادراتهم ومشاريعهم ومعاملتهم بازدراء وتعال. لقد توقف سياسيونا عن زرع الأمل وبثه في النفوس، وما السياسة إن لم ترب الأمل؟ نعم نحن أمام سلسلة من الجرائم الاقتصادية والاجتماعية التي لا يتجرأ أحد على الخوض فيها. ألا يعد تهميش تلك الجهات وحرمانها من نصيبها في التنمية واستثمار الدولة فيها منذ عقود جريمة دولة تستوجب المحاكمة؟ ألم يبق مستشفى الكاف مثلا بلا طبيب مولد لأاكثر من عشرة أيام لتموت الرضيعة في بطن أمها وتدخل الأم في غيبوبة؟ ألا يشكل ذلك عوامل ودوافع للتفجير والانتقام والتشفي من دولة نبذت أبناءها وتنكرت لهم؟ ألا يواجه أبناء الجهات الداخلية بعضهم البعض في جبهة القتال، ففريق يحمل جلباب "السلفية الجهادية" وفريق يحمل "بزة الدولة"؟ ألا تبعثهم الدولة إلى الموت المحتوم؟ بينما ينشغل الساسة والقادة الأمنيون بالمنابر الإعلامية والمزايدات الكلامية شغفهم في ذلك حب الأضواء والمناصب والنفوذ؟ رسالة إلى الشباب "السلفي الجهادي"
أيها الشباب السلفي، اهجروا السلاح ولا توجهوا فوهة أسلحتكم إلى أبناء شعبكم، إن الحرب اليوم هي ضد الفقر والجهل والبطالة والظلم والحيف الطبقي والجهوي، ذلك هو الجهاد المقدس الذي كتبه الله علينا اليوم. أنتم تصيبون الثورة في أكثر من مقتل عندما تقتلون شباب تونس، إنهم منكم وإليكم وأنتم إخوتنا في الله والوطن فلماذا لا توجهون بندقيتكم إلى عدوكم الحقيقي، الفقر والجهل. أهجروا دعاة الفتنة فإنهم يدعونكم للشر ونحن ندعوكم للخير.
قبل أن أختم، وأنا في طريقي من سوسة إلي تونس، سمعت عبر الراديو خبر التفجير الذي جد أمام النزل بسوسة، لم يؤسفني الخبر بقدر ما آسفني تعليق المذيع الذي قال "توا كي الإرهاب استهدف جوهرة الساحل سوسة فعلى الدنيا السلام"، وهنا أتساءل : هل يعتبر الإعلاميون والسياسيون مناطق الشمال الغربي والوسط جزءا غريبا عن الوطن؟ نحن نأسف لكل روح تزهق في صفوف الأمنيين أو الشباب المتمرد من بنزرت إلى بن قردان، فتونس أرض واحدة وشعب واحد لا نفرق بين تونسي وتونسي. فلندعو المولى أن يهدينا لما فيه خير توني والتونسيين وأن يؤلف بين قلوبنا وأن ينزع من قلوبنا البغضاء والأحقاد.













أيوب المسعودي
29 أكتوبر 2013

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire