مبادرة من أجل
إلغاء الفصل 91 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية
وتحجير محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية
أيوب المسعودي
22 جانفي 2015
« Il
faut considérer que l’exceptionnalité d’un tribunal consiste à enlever à la
justice ordinaire une partie de son domaine de compétence, fait qui est
justifié par des raisons autres que les exigences de la justice, et qui,
normalement, s’apparentent à des raisons politiques ou religieuses… »[1]
Principe 20 du rapport
Decaux : « Les codes de justice militaire devraient faire
périodiquement l’objet d’une révision systématique, de manière indépendante et
transparente, afin de veiller à ce que les compétences des tribunaux militaires
répondent à une stricte nécessité fonctionnelle, sans empiéter sur les
compétences qui peuvent et doivent revenir aux juridictions civiles de droit
commun »[2]
Principe 5 du rapport
Decaux : « Les
juridictions militaires doivent, par principe, être incompétentes pour juger
des civils. L’Etat veille à ce que les civils accusés d’une infraction pénale,
quelle qu’en soit la nature, soient jugés par les tribunaux civils »[3]
تمهيد
إذا كان من حق البعض أن يتفاءل بما أنجز، على الأقل
في المستوى التشريعي بعد 14 جانفي، فإنه من واجب المجتمع المدني أن يبقى متيقظا
ومنتبها لكل ما يمكن أن يزعزع المكتسبات التي حققها شعبنا بفضل نضالاته وتضحياته.
إنّ هذا التّفاؤل اليقظ يجد ما يبرّره في كمّ
التّجاوزات الحقوقيّة وحتّى الدّستوريّة الّتي نالت من هذه المكتسبات، تجاوزات
وخروقات شابت سياسات كلّ الحكومات المتعاقبة منذ 14 جانفي 2011. هذه التجاوزات
طالت أيضا كلّ الأطياف السّياسيّة بدرجات متفاوتة بحسب تقاربها أو تنافرها من
دوائر الحكم وصنع القرار لتعكس انغراس العلّة الاستبداديّة في طيّات الوعي الباطنيّ
وتعرّي "النّفاق الحقوقيّ" و"التّلوّن الحزبيّ" لبعض
السّياسيّين الّذين يعدّلون صدمتهم من أشكال الاستبداد والقمع المختلفة بحسب قربهم
"السّياسيّ" والمصالح الحزبيّة الّتي يمكن أن تربطهم بالضّحيّة كتسجيل
المواقف السّياسيّة أو فضح الخصم السّياسيّ عندما يكون هو المعتدي بينما يسكتون عن
نفس الجرائم عندما تصدر عن الحلفاء.
لن أطيل أكثر في تشخيص المرض الاستبداديّ الكامن في
الأذهان والمترسّب بفعل عقود الاستبداد والاستلاب الفكريّ والسّياسيّ والّذي يعسر
استئصاله. نحن في حاجة أكثر من أيّ وقت مضى إلى الفعل بدل القول والإنشاء. نحن في
حاجة إلى عمل صادق وشجاع يسمو فوق المطامح الحزبيّة واللّافتات الدّعائيّة لوضع
الأسس التّشريعيّة الّتي تقينا، على الأقلّ في المدى المنظور وإجرائيّا، من
الاستبداد وترسّخ على المدى البعيد عقليّة الدّيمقراطيّة والحرّيّة الّتي لا تخضع
للمصالح الآنيّة والحزبيّة الضّيقة.
في قضيّة الحال
ولعلّ من حديث السّاعة وأوكد القضايا الّتي تطرح على الضّمائر الدّيمقراطيّة
هي مسألة محاكمة المدنيّين أمام القضاء العسكريّ. ليست هي المرّة الأولى الّتي
يحال فيها مدنيّون على أنظار هذا القضاء العسكريّ الّذي هو قضاء استثنائيّ لا يضمن
حقوق المتّهمين في قضاء مستقلّ ويخرق مبدأ المساواة داخل المرفق القضائيّ. ولعلّ
الأخطر في هذه القضايا هو أنّ جلّها استندت على فصل قروسطيّ لا يمتّ للدّيمقراطيّة
ودولة القانون والمؤسّسات والمسؤوليّة والمساءلة بأيّ صلة، فصل يجرّم انتقاد رئيس
أركان الجيش لإخلاله بواجباته العسكريّة[4] كما مدير
مستشفى عسكريّ قصّر في مهامّه الإداريّة[5]؟ ومع
أنّه يتوجّب الفصل بين موضوعي منع محاكمة المدنيّين أمام المحاكم العسكريّة الّذي
بات مبدأ شبه متعارف عليه من جهة وضرورة إلغاء الفصل 91 من مجلّة المرافعات
العسكريّة كفصل يكرّس قداسة مؤسّسة جمهوريّة لابدّ أن تخضع للمساءلة والمحاسبة والنّقد كغيرها من
المؤسّسات، فإنّه من الضّرورة الآنيّة وأيضا التّاريخيّة خوض هاتين المعركتين في
آن. كما لابدّ من اقتراح بديل تشريعيّ للفصل 91 لردع كلّ محاولات قذف المؤسّسة
العسكريّة والقائمين عليها أو ثلبهم دون دلائل وإثباتات قصد إضعافها أو النّيل من
انضباطها وعقيدتها. نحن إذا لسنا إزاء تمشّ ساذج أو طوباويّ ينزع إلى إضعاف
المؤسّسات أو المسّ من هيبتها دون ضوابط وإنّما نرنو إلى إرساء منظومة تشريعيّة
وقضائيّة تراعي هيبة المؤسّسات وخصوصيّاتها دون هضم حقوق المواطن وخرق الدّستور
وتهديد الحرّيّات.
بعض المقارنات : في التّضارب مع التّشريعات الحديثة
وإذا كان إنشاء هذه
المحاكم يرجع، على الأقلّ سياسيّا، إلى دول عرفت حروبا أو أُسِّست على نظم حكم
عسكريّة كثيرا ما كانت ذات طابع فردانيّ استبداديّ، فإنّ الفقه القضائيّ قد تطوّر
لا فقط في دول ذات ديمقراطيّات مستقرّة كبلجيكا
في 2004[6] وفرنسا
في 2012[7] نحو الإلغاء الكلّيّ للمحاكم العسكريّة زمن السّلم (مثال بلجيكا) أو إحالة
جزء هامّ من القضايا العسكريّة على دوائر مدنيّة تمّ توسيع اختصاصاتها مع إلغاء
محكمة الحرب بباريس ذات التّاريخ الاستعماريّ ولكن أيضا على مستوى دول قريبة من
تونس جغرافيّا وثقافيّا واجتماعيّا كالمغرب الأقصى[8] الّذي
قرّر مؤخّرا، وفي خطوة شجاعة، تحجير محاكمة المدنيّين لأمام المحاكم العسكريّة.
كما أنّ الدّراسات الأكاديميّة الحديثة (كالتّقرير الشّهير للأستاذ Emmanuel Decaux) تجمع على الصّفة الاستثنائيّة
للمحاكم العسكريّة عندما تحاكم المدنيّين. أمّا التّقارير والمواثيق الدّوليّة والأمميّة فقد أدخلت تشريعات ومبادئ جديدة تدعو
بما لا يترك مجالا للشّكّ إلى التّقليص الأقصى لمجال تدخّل القضاء العسكريّ وحصره في
الجرائم المتعلّقة بالوظيف العسكريّ البحت والّتي تقع في أوقات العمل العسكريّ حصرا.
ومن الجدير هنا التّشديد على أنّ قرار الحكومة البلجيكيّة مثلا حلّ المحاكم
العسكريّة زمن السّلم، وبقرار من الملك لإنقاذ صورة بلجيكا والجيش البلجيكي، كان
ردّة فعل على الأحكام المتساهلة مع العسكريّين البلجيكيّين والمجحفة في حقّ
الضّحايا المدنيّين الّذين تضرّروا من تجاوزات وجرائم للجيش البلجيكيّ أثناء أداء
مهامّ إنسانيّة في الخارج. ومن المهمّ الوقوف عند هذه التّجربة، إنّ السّؤال الّذي
يطرح بقوّة هنا هو مدى قدرة القضاء العسكريّ، الّذي يخضع للتّراتبيّة العسكريّة
وعقيدة الطّاعة والانصياع للقيادة والّذي يرأس مجلسه القضائيّ في تونس مثلا وزير
الدّفاع، على إصدار أحكام لا تهضم حقّ المدنيّين عندما يكون زاعم المضرّة عسكريّا
ولا تقع في التّساهل والتّخفيف عندما يكون زاعم المضرّة مدنيّا كعائلات الشّهداء؟
ألا ترتبط محاكمات المدنيّين أمام المحاكم العسكريّة بالتّجارب المخزية من الاستعمار
الفرنسيّ للجزائر ومحكمة الحرب بباريس إلى اللّجان العسكريّة الّتي وضعها جورج بوش
الابن بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ما مدى علاقة هذه المحاكم إذا بواقعنا
التّحرّريّ الرّاهن؟
كيف يمكن أن نقبل بمحاكمة مدنيّين أمام هذا القضاء الاستثنائيّ بعد ثلاث عقود
من تقرير للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة يقرّ بأنّ مواصلة إحالة مدنيّين على
أنظار القضاء العسكريّ يشكّل خطرا كبيرا على "الإدارة المستقلّة والعادلة
لمرفق العدالة" وأنّ هذه المحاكمات هي "خرق واضح للفصل 14 من
الميثاق العالمي للحقوق المجنيّة
والسّياسيّة"[9]؟
وقد يعلّل البعض قائلا أنّ التّقاضي على ثلاث درجات
بات مضمونا ببعث دوائر استئنافيّة وتعقيبيّة صلب القضاء العسكريّ. نعم هذا تطوّر
إيجابيّ ولكنّه قد يمثّل فخّا تشريعيّا في قضايا معيّنة كقضايا شهداء والثّورة
الّذين وجدوا قضيّتهم محاصرة في دائرة القضاء العسكريّ دون إمكانيّة اللّجوء إلى
المحاكم المدنيّة بسبب الطّابع المغلق للمحاكم العسكريّة. كما أنّ جلّ الأحكام
الصّادرة لم ترض المتقاضين واعتبروها مجحفة في حقّ الضّحايا المدنيّين الّذين
استشهدوا في أحداث الثّورة واعتبروا أنّ القضاء العسكريّ، الّذي كان خصما وحكما في
آن، أخفق في مهمّة الحياد وإنصاف عائلات الشّهداء.
مقترح قانونين لإلغاء الفصل 91 وتحجير محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكريّ
بناء على ما أسلفنا، يتعيّن على نوّاب الشّعب النّظر بجدّيّة في سبل الأخذ
بالمفهوم الضّيّق للجريمة العسكريّة كجريمة بين عسكريّين في أثناء أداء مهامّهم
ووظيفهم، لا خارجه، والارتقاء بالمرفق القضائيّ نحو مزيد من الحياد والاستقلالية
والاتفاق مع المواثيق الدّولية والملاءمة مع روح الدستور التونسي الذي ينص على
المساواة وتكافؤ أمام مرفق العدالة.
مقترح قانون في تحجير
محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكريّ
-
لا يجوز، زمن السلم، محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية مهما كانت الجريمة
المرتكبة أو صفة مرتكبيها، سواء كانوا فاعلين أو مساهمين أو شركاء لعسكريين،
-
تختصّ المحاكم العسكريّة في الجرائم العسكريّة المرتكبة من قبل عسكريّين أو
شبه عسكريّين في إطار أداء وظيفهم ولا تنظر في جرائم الحقّ العامّ المنسوبة إلى
العسكريّين أو شبه العسكريّين،
-
تحال جميع القضايا المعروضة على أنظار القضاء العسكري والّتي يكون فيها مدنيّون
طرفا على أنظار القضاء المدني.
مقترح قانون في إلغاء
الفصل 91 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية
-
يلغى الفصل 91 من مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة وتنطبق أحكام المرسوم
115 لسنة 2011 مؤرّخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلّق بحرّيّة الصّحافة والطّباعة
والنّشر في فصوله 54 إلى 59 بالنّسبة لجرائم الثّلب.
هذا مقترح وأرضية عمل أعرضهما على الجمهور الواسع من قوى
المجتمع المدني المنخرط في الدّفاع عن الحريات ونواب الشعب الذين فوّضهم الشّعب
للذّود عن مصالحهم ومكتسباتهم. والدّعوة مفتوحة للإمضاء على هذه المبادرة .
[1] E. LAMBERT ABDELGAWAD (Chargée de recherche CNRS), In
« JURIDICTIONS
MILITAIRES ET TRIBUNAUX D’EXCEPTION EN MUTATION : PERSPECTIVES COMPAREES ET
INTERNATIONALES », 2007, p 15.
[2] Principe n°20 du rapport
Decaux, Emmanuel
Decaux Professeur à l’Université Panthéon-Assas Paris II, Membre de la
Sous-Commission des droits de l’homme des Nations Unies, http://goo.gl/2Wosie et http://goo.gl/nI6xdi
[3]
Référence précédente
[6] E. LAMBERT ABDELGAWAD, « Juridictions militaires et tribunaux d'exception en mutation: perspectives comparées et internationales», 2004, p 453
[7] Voir la loi pour la dissolution du Tribunal aux Armées de Paris, http://goo.gl/gqR7zy
[9]
Observation générale N° 13 relative à l’article 14 du PI DCP, Nations-Unies, Récapitulation
des observations générales adoptées par les organes créés en vertu
d'instruments internationaux, relatifs aux droits de l'homme, Revue 5, 26 avril
2001, p217
مبادرة ممتازة
RépondreSupprimerأوقّع و أساند
محمد الحناشي
مواطن تونسي قاطن بإيطليا