أفصل في هذا المقال، في الجزأ الأول منه، بعض الملاحظات حول مشروع الدستور الذي سيعرضه قيس سعيد يوم 25 جويلية 2022، وسأقتصر على إظهار النواقص والمخاطر التي احتواها مشروع الدستور والتي تمثل في رأيي سببا كافيا لرفض المشروع بشكله الحالي للأسباب التي سأفصلها تباعا.
التوطئة:
أتت صياغة التوطئة إنشائية لا ترتقي إلى توطئة دستور دولة معبرة عن مبادئ عامة تعكس إرادة شعب وسردية وطنية متوافق عليها، بدل ذلك أتت مضخمة لتاريخ 25 جويلية 2021 كمصحح للثورة لا بل وللتاريخ. فكانت توطئة لدستور كاتبها لا لدستور شعب، ويظهر ذلك بوضوح أكبر في الانتقائية اللتي صبغت اختيار التواريخ والعبارات (دستور فنلندا مثلا لا يحتوي على أي إشارة تاريخية)
كما أن هيكلة التوطئة وبنيتها بدت في بعض الأحيان متقطعة ومتجزئة ما قد يعكس بعض التعسف على النص هنا وهناك لإرضاء هذا الطرف أو ذاك (أمة إسلامية فأمة عربية، أبعاد إنسانية من المنظور الإسلامي دون انفتاح على المنجزات الكونية… في تضاد مع الفصل الرابع والأربعين ال\ي يشير إلى اﻹنسان حقوق ثقافة نشر في بعدها المفتوح)
غياب أي إشارة لمسألة التطبيع وقد كنت أود أن أرى فصلا يجرم في الحد الأدنى أي تعامل مع دول أو كيانات في حالة حرب مع تونس (وإسرائيل كيان غاصب اعتدى على تونس في حمام الشط فهي إذا دولة معتدية على الوطن لم تعقد معها تونس اتفاق صلح) أو مغتصبة لأي أرض عربية... ولكن يبدو أن قيس سعيد اختار التراجع عن شعار حملته الانتخابية.
ملاحظات فصلا فصلا:
باب الأحكام العامة
- الفصل الخامس: تعبر الدساتير عن سردية متوافق عليها وروح موحدة للقوانين لا تحتمل إلا حدا مقبولا من التأويل. بينما أتى هذا الفصل كمزايدة وربما مغازلة لجمهور غريم سياسي بعينه، أي الجمهور "المحافظ" إن صح التعبير، ولكن الخطورة الحقيقية تكمن في ما يمكن أن تفتحه فصول مبهمة كهذه من تأويلات شديدة الاختلاف لمن يتحمل مسؤولية إنفاذ القوانين والحكم باسم الشعب (قضاء، أمن، إدارة عمومية...). ويكن اعتبار الفصل الول من دستور 2014 أفضل بكثير من الفصول المشتتة لدستور قيس سعيد حول الدولة ونظامها ومسألة الدين.
- الفصل السادس عشر: صمت عن حق المواطنين في النفاذ إلى المعلومة في ما يخص الاتفاقيت وعقود الاستثمار والتصرف في الثروات الوطنية
- الفصل السابع عشر: لا أعتبر أن الدستور يتسع لخيارات الفلسفة الاقتصادية التي نختلف فيها جميعنا والتي وجب أن تخضع لإرادة الناخب وفق مبدأ التجاول على السلطة، بينما أتى هذا الفصل بنفس ليبرالي واضح يكرس أو يفرض فيها تعايش القطاعين الخاص والعام عاكسا هاجس قيس سعيد في إرضاء المانحين الدوليين وحراس المعبد الليبرالي. فهل ستمنع الدولة الأحزاب السياسية المنادية بالاشتراكية مثلا؟
- الفصل الحادي والعشرون: صمت عن حياد دور العبادة من أي توظيف حزبي أو سياسي
باب الحقوق والحريات
- الفصل الخامس والخمسون: وهو الأكثر جدلية وخطورة في رأيي، ذلك أنه أتى لينسف كل الإيجابيات والضمانات الاتي أعتبرها جد إيجابية في الفصول المتعلقة بالحقوق والحربات (22 إلى 54). فالأمن العام والآداب العامة كلها مفاهيم جوفاء لطالما استخدمها الحكام للاستبداد وتطويق المحكومين وتقييد الحريات. والقوانين التي لا يمكن وضع حد لتأويلاتها هي قوانين فاسدة ولا تصلح خاصة في دستور يتطلب إجماع الاغلبي…ة الساحقة.
باب الوظيفة التشريعية
- الفصل الثامن والخمسون: لا أرى فائدة من شرط تونسية الأب أو الأم، فتونسية المترشح تكفي، ولا فائدة من المزايدات في هذا الشأن. فلا مجال لاعتبار مواطن تحصل على جنسيته التونسية مواطن ناقص الحقوق، وهذا أساس دولة المواطنين ودولة القانون. ثم ما معنى شرط بلوغ 23 سنة كاملة، أرى أن يكون الشرط هو بلوغ سن الرشد (18 سنة) كما حدده القانون، وليترك الأمر للمواطنين في اختيار ممثليهم وفقا للكفاءة والمشاريع والمقترحات.
- الفصل الستون: لماذا تم الصمت عن سقف مدة التمديد؟ المحكمة الدستورية وإقرار الخطر الداهم
- الفصل الثالث والستون: تكرار للنقطة 2 من الفصل ستون
- الفصل الخامس والستون: أرى أن حصانة النائب في إطار أعماله النيابية تكفي (الفصل الرابع والستون)، ولا أرى فائدة من إقرار حصانة جزائية خارج ما فوض النائب من أجله (سن القوانين..).
- الفصل التاسع والستون: وهو الفصل الأكثر إبهاما لا يحدد الجهة المخولة لتحديد ما إذا كانت القوانين المقترحة مخلة أم لا بالتوازنات المالية للدولة. ثم إن الفصل لا يمنع رئيس الحمهورية بتقديم مشاريع قوانين تخل بهذه التوازنات. وهنا قد نسقط في مطبات وتعطيلات قد تفضي إلى صراعات خبرناها في الماضي القريب. فهل أن المحكمة الدستورية مثلا مؤهلة للنظر في مقبولية مشاريع قوانين ذات صبغة مالية واقتصادية؟
- الفصل الرابع والسبعون: وهو أيضا فصل غامض وغير مقيد، ذلك أن هذا الفصل فتح بابا واسعا في مجالات المعاهدات التي يصادق عليها الرئيس دون الرجوع إلى مجلس نواب الشعب، مقصيا بذلك مثلا دور ممثلي الشعب في الاطلاع وإبداء الرأي في المعاهدات ذات الصبعة العسكرية والأمنية. كما أن وضع المعاهدات المصادق عليها من قبل رئيس الجمهورية فوق الدستور إلغاء لعلوية إرادة الشعب وقيمة الدستور كنص مؤسس لدورة مستقلة وذات سيادة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire