أي مجتمع مدني
نريد؟
المواطنية
الوطنية شعارا
أيوب المسعودي
16 ماي 2013
في إطار محاولة الجمعية التي
أرأسها (رابطة الحريات والتنمية البشرية) ربط صلات بقوى المجتمع المدني من أجل
التعاون والتنسيق، دعتني إحدى الجمعيات التونسية لحضور ندوة حول إصلاح منظومة العدالة
بأحد نزل الكاف. بكل عفوية وتلقائية، رحبت بالفكرة وقبلت الدعوة، وجلست مع
الجالسين...
الصاعقة أتت عند الاستماع إلى أحد
المتدخلين الأجانب وهو يحيي منظمة فريدم هاوس (Freedom House) ويشكرها على المساهمة في تنظيم الندوة. في دهشة من أمري
أخذت أنظر حولي وأدقق لأكتشف يافطة تحمل شعاري فريدم هاوس وميبي MEPI (Middle East Partnership Initiative). صاعقة جعلتني أغادر مكان الاجتماع في عجلة
رفقة زملائي في الرابطة.
لمن لا يعرف هذه المنظمات، إليكم
بعضا من خباياها:
MEPI أو مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط، هي عبارة عن
ذراع استخباراتية غير تقليدية وأداة من أدوات الاختراق السياسي والاجتماعي
والعسكري التي أطلقتها الخارجية الأمريكية في شتاء 2002. وتحظى هذه المنظمة، التي
تعمل بالتنسيق مع السفارات الأمريكية في المنطقة وأجهزتها الاستخباراتية، على
تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي وضع منذ عقود قبل أن تعلن عنه وزيرة الخارجية
الأمريكية رسميا نهاية 2003. وقد تبين من خلال تسريبات ويكيليكس كوثيقة "تونس
: استراتيجية الإصلاح الديمقراطي لدعم أجندة الحرية"، أن هذه المنظمة
وتفرعاتها إنما تعمل على التربص بالأنظمة العربية القائمة آنذاك
وترقب فرص تعويضها بأخرى تكون أكثر تلاءما مع مصالحها في المنطقة حتى وإن تطلب
الأمر توخي استراتيجية الصدام مع النظام كما اقترح السفير الأمريكي W.J. Hudson في نفس
الوثيقة.
ومن المهم التذكير بترحيب طيف كبير
من النخبة السياسية والمدنية آنذاك بالخطاب الأمريكي الجديد والذي ذهب في اتجاه
الضغط على نظام بن علي من أجل تخفيف الخناق على الحريات ومنظمات المجتمع المدني
والسماح بإمدادهم بالمساعدات المالية الخارجية. كل ذلك سعيا من الإدارة الأمريكية
إلى بناء شرق أوسط جديد تقتاد فيه دول المنطقة بالنموذج الديمقراطي... الصهيوني...
تمهيدا للتطبيع مع العدو الصهيوني.
وعلى خطى MEPI تعمل Freedom House، وهي إحدى
تفرعاتها التي تدعي الاستقلالية، على تلميع صورة الدولة العنصرية. فتحت عنوان
" Israel is Mideast’s only 'free' state" (أي "إسرائيل، الدولة
الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط")، نشرت صحيفة Jerusalem Post ، بتاريخ 21 جانفي 2013، مقالا تنقل فيه ما أتى في التقرير السنوي
لمنظمة فريدم هاوس (Freedom House) من تمجيد وثني على ما يمثله الكيان
الصهيوني كنموذج للديمقراطية في الشرق الأوسط، واصفة في نفس الصدد الكيان الصهيوني
بالاستثناء في منطقة غلبت فيها الأنظمة الاستبدادية، دون أن تأتي على ما يقترفه الكيان
الغاصب من جرائم ضد الإنسانية وممارسات ميز عنصري مقيتة وإلغاء لإنسانية الفلسطينيين
الذين سلبوا الأرض والعرض. وللتاريخ، فقد تأسست Freedom House سنة 1941 بقرار من الرئيس
الأمريكي روزفيلت، أي سنة قبل استضافته للمؤتمر الصهيوني بحضور بن غوريون...
وقد أطنب الكاتب الأمريكي Philip Agee (والذي شغل منصب ضابط في الاستخبارات الأمريكية في حقبة الستينات) في تفصيل
أشكال الاختراقات السياسية والأيديولوجية في كتابه « Inside The Company » حيث عدد أشكال الهيمنة السياسية والثقافية التي تمر عبر
تمويل الجمعيات والشخصيات الوطنية قصد توجيهها بما يخدم مصالح الامبراطورية
الأمريكية، خاصة في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات التي تزامن فيها سقوط
الاتحاد السوفييتي مع رغبة جامحة لدى حلف شمال الأطلسي (الحامل للأيديولوجيا الرأسمالية
والحلم الأمريكي) في إعادة تشكيل المنطقة بدءا بالخليج (حرب الخليج الأولى) وصولا
إلى بلدان شرق أوروبا وتوجيه الثورات "الملونة" لإنهاء تفكيك الاتحاد
السوفييتي بعد أن اختلت التوازنات الإقليمية وصار المجال فسيحا أمام أمريكا للتحكم
في مجريات الساحة الجيوسياسية.
في هذا السياق، لا أوافق المرزوقي
عندما كتب في 2006 "لتسقط الوطنية ولتحيا المواطنية"، في رسالة ضمنية
إلى الحلفاء الخارجيين طالبا يد العون ضد النظام، هذا ما تيقنت منه بعد أن علمت ما
علمت... فكما أنني مقتنع أن لا كرامة ولا انعتاق ولا تحرر حقيقيين دون تحقيق
السيادة الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، فلا يمكن تحقيق الانعتاق والتحرر دون
مجتمع مدني مستقل ومحصن ضد مشاريع الاختراق الثقافي والأيديولوجي الخارجي كما
الداخلي. كما لا يمكن للمجتمع المدني أن يؤسس للمواطنية دون الوطنية التي تأبى
التدخل في إرادة الشعب بما يمس سيادة الشعب ومفهوم الدولة.
كل المعطيات على الأرض تشير إلى
نية جلية لدى حركة النهضة وحلفائها في ضرب كيان الدولة وإضعاف مؤسساتها واختراقها
مجتمعا مدنيا وأمنا وجيشا من أجل إعادة تشكيل الدولة والمجتمع بما يخدم المصالح
الداخلية للحكام الجدد والمصالح الإقليمية لحلفائهم الخارجيين. وهو ما جعل تونس
مرتعا لأجهزة الاستخبارات المتسترة برداء المجتمع المدني وشعارات الديمقراطية ودعم
الانتقال الديمقراطي...
كما لا تخفى على أحد اليوم سياسة السلطة
الحالية التي تتعامل بمكيالين مع الجمعيات، فتراها تمول وتدعم الجمعيات الموالية
التي تغدقها بأموال المجموعة الوطنية والتسهيلات اللوجستية والأموال القطرية
والوهابية تحت غطاء العمل الخيري والإغاثة بينما تحاصر الجمعيات المصنفة في خندق
"المعارضة" فتعطل اجتماعاتها وتسد عنها التمويلات والمساعدات.
إنني كرئيس جمعية تحاول، بما لها
من إمكانيات جد متواضعة، التحرك والفعل بما يحمي ما تحقق من حريات بفضل الثورة
ودعمها بتحقيق الانعتاق الاقتصادي والتنمية البشرية محليا وجهويا، أرفض رفضا قاطعا
التعامل مع هذه الجمعيات المطبعة والتي ترمي، من خلال تطويقها لمجتمع مدني في طور
الهيكلة، إلى تدجين الحراك الشعبي وإعادته إلى بوتقة التبعية الاقتصادية والثقافية
والسياسية. إن طريق العمل المستقل طويل وشائك ولكنه الطريق الوحيد لبناء الثقة مع
الجماهير والانعتاق الاقتصادي والسياسي.
وبناء على ما سبق، فإن الرابطة
عاقدة العزم على التنسيق مع الشرفاء من نشطاء المجتمع المدني والسياسي لفرض
الشفافية في تمويل الجمعيات وآليات منح المساعدات محليا، جهويا ووطنيا.
أيوب المسعودي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire