صفقة دار الضيافة تحت فرقعات الشعانبي
"ارقصوا وغنوا"
أيوب المسعودي
17 ماي 2013
دون مقدمات ودون إطالة:
أبو عياض، الغنوشي، المرزوقي وبن جعفر هم مجرد أزرار على لوحة مفاتيح في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية وقطر، ذراعها المالي في المنطقة، وكلاهما (قطر وأمريكا) يسيران الحكومة العميلة التي تحكمنا من وراء ستار عابثة بالثورة التونسية ودماء أبنائها في الداخل (بالدفع نحو مواجهة بين الأمنيين والعسكريين والسلفيين) والخارج (بالدفع بالشباب اليائس إلى أتون حرب إقليمية خدمة للراعي الأمريكي ضد شعب عربي مسلم).
أحداث الشعانبي في خدمة حركة النهضة وصفقتها السياسية
إن ما عشناه في الآونة الأخيرة من تأجيج للصراع العقائدي والهوياتي، بتخطيط وتشجيع من حركة النهضة، إنما يهدف إلى:
- إعادة ترميم البيت الداخلي لحركة النهضة وتوحيد صفوفها حول المسألة الهوياتية والعقدية "الجامعة" بعد أن شهدت هزات كادت تعصف بالتنظيم (أنظر المقال الرائع لابراهيم الهضيبي، الإخواني، في تحليله لسياسات الإخوان قبل وبعد الثورة في مصر وتركيزه على عجز الجماعة عن الخروج من بوتقة الصراع العقدي لافتقارها لسياسات اقتصادية واجتماعية تلبي انتظارات الجماهير [1]). وجدير بالإشارة أن خطاب المرزوقي (في ما يسمى بالحوار الوطني) حول مسألة النقاب، في تعد سافر لاستقلالية الجامعة، إنما هو تجل لرقصة الديك المذبوح الذي يتشبث بجلباب سيده الغنوشي عبر إثارته لنفس هذه المسائل الهوياتية،
- إعطاء هامش من المناورة السياسية لحركة النهضة (سيدور رحاها في دار الضيافة أنظر الفقرة الموالية) بعيدا عن الأضواء لتسوية "الخلافات السياسية" وتمرير دستور رجعي (أنظر الفقرة الموالية) مقابل تشريك النخبة البرجوازية السياسية في الحكم،
- تمرير هذه الصفقة القذرة تحت غطاء الوفاق الوطني الكاذب (بمشاركة أحزاب وشخصيات تجمعية وأخرى انتهازية لا وزن واقعي لها) وباسم الوحدة المقدسة ضد خطر الإرهاب الداهم،
- خلق البؤر الإرهابية وتأجيج العنف وتشجيع الترهيب بما يسمح لحركة النهضة بالتموقع في وسط اليمين "المعتدل المحافظ" كخيار ضد التطرف والغلو،
- التغطية على مقتل الشهيد شكري بلعيد والذي تشير كل المعطيات الموضوعية إلى تورط حركة النهضة في قتله مع سابقية التخطيط.
لئن أصمت انفجارات الشعانبي آذاننا وأقضت مضاجعنا للوهلة الأولى، فإن لعبة دار الضيافة سرعان ما انكشفت.
مضمون الصفقة
إن ما دار في دار الضيافة يذكرنا بما أتته البرجوازية الألمانية في أعقاب ثورة 1848 - 1849 والتي سعت فيها النخبة البرجوازية إلى حماية امتيازاتها خوفا من المد الثوري الذي وصل إلى درجة تهديد الملكية الخاصة والمساواة في المشاركة السياسية بما يفقد البرجوازية احتكارها للوجاهة الاجتماعية والسياسية. أما اليوم وقد بان عجز الطبقة الحاكمة (حكومة وأيضا معارضة كصانعة للرأي العام) على الخروج من أزمة الحكم والشرعية التي نعيشها، وأمام تعطش الجماهير إلى التغيير وخيبتها من الحكام الجدد ومعارضتها، فقد باتت السلطة كما جزء من المعارضة الانتهازية متخوفة من صندوق الاقتراع ومستعدة للتآمر على الصندوق لصد أي تجديد في النخبة الحاكمة، حتى إذا اقتضى الأمر التحالف مع كمال مرجان التجمعي ووزير بن علي وصاحب القولة المأثورة "بن علي رجل كلمة وأنا عندي فيه ثقة...". كل هذا يأتي تتويجا لمسار ممنهج في التطبيع مع التجمعيين وقتل الثورة.
لنأتي الآن إلى المضمون:
- ملحوظة عامة : سحب البساط من المجلس التأسيسي، صاحب الشرعية الأصلية والقبة الوحيدة التي يمكن أن تحتضن الوفاق بعيدا عن الحسابات السياسية، هو انقلاب على إرادة الشعب،
- حصر أولويات المرحلة في النظام السياسي وتنظيم التنافس على الحكم بما يضمن الحفاظ على امتيازات النخبة الحاكمة الجديدة وحقها في "المشاركة" السياسية وإفراغ ثورة 17 ديسمبر من مضمونها وتحويلها من صراع طبقي على الوجود والمواطنة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى حرب ضد الإرهاب باختلاق الهاجس الأمني.
- نظام الاقتراع : ومن الخطير أن يتم "التوافق" على نظام الاقتراع على القوائم مع اعتماد أكبر البقايا وبدعة "التزكية"، ذلك أن الأنظمة المجددة والتي قررت خوض غمار التجربة الديمقراطية بجرأة اعتمدت نظام الدوائر الفردية فيكون المترشح فردا يكون أقرب للناخب فيسهل التواصل معه ومساءلته قبل وبعد الانتخابات. كما أن نظام القوائم والدوائر الكبرى لا يخدم إلا النخبة الحالية والأحزاب الكبرى ذات القدرات المالية والتنظيمية التي تخول لها العمل والتنقل في دوائر كبيرة. أخيرا، أعتبر أن التزكية، والتي لم يقع تحديد آلياتها بعد، ستؤسس لأوليغارشية سياسية تحتكر السلطة إذا ما تقرر مثلا أن تتم التزكية من قبل الجماعات المحلية التي نصبتها الترويكا مثلا،
- النظام السياسي : وقع التركيز على إحداث توازن مغلوط في "الصلاحيات" بين رأسي السلطة التنفيذية في حين أن لا معنى لإسناد وضع سياسات الأمن القومي لرئيس الجمهورية مثلا، ذلك أن الأمن القومي مفهوم مركب ويشمل الداخلي والخارجي والأمني والعسكري والاقتصادي والثقافي والجغرافي والجيوسياسي... إن لعبة تجاذب الغطاء هذه تدل على قصور في التدبير والاعتبار من أخطاء المرحلة، وكنا شاهدين على تداخل المسائل الأمنية والدبلوماسية مثلا في الملف السوري وكذلك قضية البغدادي المحمودي الذين عرفا تضاربا خطيرا في مواقف رؤوس السلطة التنفيذية مس من هيبة الدولة والاستقرار السياسي. وجوهر القول أن الدستور "التوافقي" الذي يتحدثون عنه يؤسس لنظام برلماني صرف يحول رئيس الجمهورية المنتخب انتخابا مباشرا وحرا إلى ساعي بريد يختم القوانين ويوزع المراسلات بين مصالح الدولة دون أن تكون له "سلطة" التحكيم بالاعتراض على خيارات سياسية لا تأخذ شكل قوانين والاطلاع (حق الاجتماع برئيس الحكومة بصفة دورية للاطلاع على مستجدات تسيير الدولة) وطرح سحب الثقة من الحكومة على البرلمان في الأزمات وحق اللجوء إلى التحكيم الشعبي في بعض الخلافات. كما أن مسودة الدستور الحالية لا تنص على تعزيز الأغلبية للقوانين العادية في حال رفض رئيس الحمهورية ختمها وهو ما يحد من إمكانيات التحكيم والتعديل،
- تاريخ الانتخابات : إن الإعلان عن انتخابات في بحر 2013 (أي في غضون سبعة أشهر) قبل بعث الهيئة المستقلة للانتخابات (المخولة للإعلان عن رزنامة الانتخابات) والمجلة الانتخابية وهيئة القضاء... هو حلقة أخرى من حلقات الكذب والخداع والمناورة وللتذكير فإن الرئاسات الثلاث كانت قد وعدت، في أكتوبر 2012، بالانتهاء من كتابة الدستور قبل موفى 2012 وإجراء انتخابات في مارس 2013. ولا يمكن للترويكا تنظيم انتخابات قبل موفى 2013 إلا إذا كانت عاقدة العزم على تزويرها والتلاعب بنتائجها،
- المضمر : السعي الحثيث إلى توسيع الصلاحيات دون الفصل بين "السلطات" ينم عن نية مبيتة لوضع دستور على قياس الترويكا تمهيدا لتأبيد سلطتها.
كل المعطيات تؤشر إلى التوجه نحو صفقة قذرة يضحى فيها بالاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية للثورة لصالح تقاسم الكراسي والانقلاب على الانتخابات قبل الانتخابات. أما المسائل "الخلافية" من حل روابط حماية الثورة وقتل الشهيد شكري بلعيد وتحييد دور العبادة عن قذارة السياسة، فالتوجه هو نحو مجرد "إعلان نوايا" وتشكيل لجان جديدة قديمة لا تختلف في شيء عن لجان التحقيق في أحداث 09 أفريل وسليانة وقتل الشهيد شكري بلعيد وكلها ملفات دخلت أو ستدخل طي النسيان...
[1] - goo.gl/2xk4I, "FROM PRISON TO PALACE: THE MUSLIM BROTHERHOOD’S CHALLENGES AND RESPONSES IN POST-REVOLUTION EGYPT", In FRIDE, Working paper N° 117, February 2013.
[2] - goo.gl/aPV0P, "La bourgeoisie allemande a-t-elle trahi la révolution de 1848 ? Bilan d'une analyse sérielle", In Persée, Volume 3, N° 4, Pages 527 - 540, 1988.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire