Designed by Freepik

vendredi 31 mai 2013

أي إرهاب نواجه؟ فـــــي الإرهـــــــــــاب الاقتـصـــــــــــادي

أي إرهاب نواجه؟ فـــــي الإرهـــــــــــاب الاقتـصـــــــــــادي

نشر في جريدة الشروق بتاريخ 26 ماي 2013




في خطاب تاريخي يرجع إلى سنة 2004، شخص رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد مسألة الإرهاب فيقول «إنها حرب الضعفاء ضد الأقوياء، فطالما يوجد هذا الفارق الهائل بين القوي والضعيف في القدرة على القتل، لا بد أن تحدث هجمات إرهابية ردا على أنواع القهر التي يذيقها القوي للضعيف».
وبعيدا عن شرعنة العنف والإرهاب، فإن فهم الظاهرة من المنظورين الاقتصادي والاجتماعي أمر ضروري للولوج إلى الحلول الناجعة، والمقصود هنا ب «الضعفاء» هي الفئات المفتقرة لأدوات الفعل والتأثير السياسي والمقصاة من دائرة القرار والفعل الاقتصادي والاجتماعي في مواجهة طغيان رؤوس الأموال الجشعة.
كان الرجل يعي ما يقول، كيف لا وقد عرفت ماليزيا، في ظل حكمه (1981-2003)، تجربة نظام مدني ديمقراطي رائد وحد الماليزيين على اختلاف أعراقهم وأديانهم وثقافاتهم وراء مشروع وطني جامع  حارب الفقر والجهل لتتراجع نسبة الفقر من حوالي 40٪ في مطلع الثمانينات إلى أقل من 5٪ في 2002 ولتنزل نسبة البطالة إلى حدود 3٪. كما تحولت ماليزيا في فترة حكمه من دولة تعتمد على إنتاج المواد الأولية وتصديرها إلى دولة صناعية يساهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج  المحلي الاجمالي وتنتج ماليزيا اليوم 80% من سياراتها!
مهاتير بدأ التجربة الماليزية برفض قروض صندوق النقد الدولي وخاصة املاءاته المعادية للطبقات الشعبية المسحوقة والضاربة لسيادة الدول ومصالحها الحيوية، وذلك رغم الأزمة الاقتصادية التي عرفتها آسيا في أواخر التسعينات، أما حكومتنا «الشرعية» فقد شرعت، ومنذ البدء، في التفويض اللامشروط في المسألة الاقتصادية لصندوق النقد الدولي وتكنوقراط المؤسسات المالية العالمية الذين وضعت بين أيديهم مصير الشعب التونسي ومستقبل الأجيال القادمة فبدأت بالزيادة في سعر المحروقات (في أكثر من مناسبة) والمصادقة على برنامج تخريب هيكلي في كواليس القصبة ودون الرجوع إلى مؤسسات الدولة الشرعية وعلى رأسها المجلس الوطني التأسيسي.
لسائل أن يسأل ما علاقة كل هذا بالإرهاب؟ وأنا أسأل القارئ هنا هل تساءلنا نحن التونسيين، بل نحن العرب والمسلمين، عن أي إرهاب نتحدث؟ وأي إرهاب نواجه وكيف؟ وماهي الأرضية التي نما فيها الإرهاب في العالم وفي تونس المعروفة تاريخيا بالتجانس العقائدي والانفتاح والاعتدال؟ وما هي أولوياتنا في مواجهة الإرهاب في أشكاله المختلفة؟ سأحاول في سلسلة المقالات هذه تحليل ظاهرة الإرهاب من النواحي الاقتصادية والاجتماعية وأيضاً السياسية.
وأول أشكال الإرهاب المسلطة على الشعوب عامة والشعب التونسي خاصة هو الإرهاب الاقتصادي الذي يتخذ من المؤسسات المالية العالمية والعواصم الرأسمالية وبورصاتها والشركات متعددة الجنسيات معاقل ومراكز للتخطيط ووضع برامج الدمار المجتمعي التي تنفذها الحكومات «المحلية».
ولما كانت هذه الحكومات «المحلية» فاقدة للشرعية الشعبية فإنها صارت تلهث وراء استرضاء هذه المؤسسات والدول المانحة طمعا في مزيد من القروض والسيولة التي تسمح لها بإسكات الغليان الشعبي دون التفكير في حلول جذرية تنهض بالاقتصاد وتحقق الاستقلال الفعلي. كما تجدها مستعدة كل الاستعداد للتفويت في مقدرات الشعب والثروات الوطنية لصالح رؤوس الأموال المحلية والخارجية المرتبطة بالقوى العظمى.
وهي سياسات لا تخلو من الإكراه المادي والسياسي الذي يعرِّف الإرهاب. ذلك أن السياسات المتبعة إكراها لا تخدم مصالح الدول المقترضة وشعوبها المسحوقة، ولنا في السياسات المالية والفلاحية المفروضة في هذه البرامج التخريبية خير دليل. فالدول «المانحة» تفرض تقليص دور الدولة في التدخل في الاقتصاد وتخفيض دعم المواد الأساسية وميزانيات التعليم والصحة وتعطي الأولوية القصوى للزراعات الموجهة الى التصدير كقصب السكر والقطن والقهوة وغيرها من المنتوجات المسماة تاريخيا بـ«الاستعمارية» على حساب زراعات الكفاف التي تضمن الخبز اليومي للمواطن دون اللجوء إلي الاقتراض من الخارج.
هل هناك إرهاب أشد وطأة من ذلك الإرهاب الاقتصادي الذي سلط على النيجر مثلا، رابع أفقر البلدان في العالم، والذي لا تتجاوز مساحة أراضيه الصالحة للزراعة 4٪؟ فقد بدأ صندوق النقد الدولي، تحت غطاء مشروع إعادة هيكلة الاقتصاد النيجري، بحل وخوصصة الوكالة الوطنية البيطرية التي كانت تشرف على أكثر من 20000 رأس ماشية بتوفير التلقيح والأدوية والفيتامينات.. فكانت النتيجة أن الشركات الخاصة والمتعددة الجنسيات، اللاهثة وراء الربح السريع بأقل التكاليف، رفعت في أسعار الخدمات البيطرية وامتنعت عن إسداء الخدمات للفلاحين الصغار المنتشرين في أطراف البلاد المعزولة والوعرة وهو ما أدى إلى موت الآلاف من الماشية مما رمى بآلاف العائلات في أتون الفقر والخصاصة و.. الإرهاب صلب الجماعات «الإسلامية» المتمركزة في الساحل الإفريقي بحثا عن مورد رزق جديد في أسواق تجارة الأسلحة والمخدرات والهجرة السرية...

ــــــــــــــ


للتعمّق أكثر في هذا الموضوع أنصح بالكتب التالية:

- Le prix de l›inégalité, J. E. Stiglitz
- La faim dans le monde expliquée à mon fils, J. Ziegler
- Un autre monde contre le fanatisme des marchés, J. E. Stiglitz

بقلم : أيوب المسعودي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire