Designed by Freepik

jeudi 5 septembre 2013

عندما تتحول الجمعيات إلى حصان طروادة للنهب والسلب

عندما تتحول الجمعيات إلى حصان طروادة للنهب والسلب

أيوب المسعودي
05 سبتمبر 2013






انحصرت جل المبادرات التي تقدمت بها الأطراف السياسية والاجتماعية على الجانب الفني الإجرائي الإداري للخروج من الأزمة مع الحد من خطر ما يسمى "الفراغ"، وقد كانت كلها تتمحور حول كيفية تحييد الجهاز التنفيذي في إدارة المرحلة المتبقية والتي تفصلنا عن الانتخابات التي تريد كل القوى السياسية لها أن تأتي في أقرب الآجال. وإن كان مطلب تحييد السلطة التنفيذية والتسريع في الانتخابات مطلبا مشروعا بالنظر لانسداد الأفق السياسي وتأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فإن ما يسمى بالحوار الوطني وجملة القضايا المطروحة على الساحة السياسية حاليا أغفلت إحدى أوكد المسائل وهي مسألة تمويل الجمعيات. ولما كان المجتمع المدني أداة لدى نظام 07 نوفمبر لتطويق المجتمع وابتزاز الفئات المفقرة والمعدمة، توجب الانتباه إلى استنساخ حكومة الترويكا لهذه السياسات الإجرامية بتفريخ عدد من الجمعيات الموالية التي أغدقتها الحكومة بالدعم المالي واللوجستي مقابل محاصرة جمعيات وطنية تأبى أن تُطوع وأن تتحول إلى أداة في يد السلطان.

العمادات وسياسة التطويق الاجتماعي

وصلتني البارحة رسالة من صديق يقطن بإحدى عمادات الشمال الغربي يشتكي فيها من سياسة المحاباة التي يعاني منها الأهالي وآخر تجلياتها توزيع الهدايا على نوابغ الحزب الحاكم دون غيرهم واستئثار العائلات "الموالية" بالمساعدات الاجتماعية (آخرها منحة ب450 دينار) على حساب العائلات المعوزة التي هي في حاجة ماسة إليها... هذه قطرة من بحر من الممارسات التجمعية التي تطال الوظائف العمومية والتشغيل في الحضائر ومنح رخص المشاريع والقروض...


الولايات : وكر التمويلات على أساس الولاءات

في أواخر ماي من هذه السنة، نظمت رابطة الحريات والتنمية البشرية (الجمعية التي أرأسها) وقفة احتجاجية تعبيرا عن رفض مشروع برنامج لإعادة هيكلة جامعة جندوبة... على إثر هذا التحرك الناجح، استقبلنا المعتمد الأول نيابة عن الوالي للتحادث في موضوع الهيكلة وتداعياته على الجهة والمؤسسات التعليمية وسبل الضغط من أجل التراجع عن مشروع سيضر بالولاية على أكثر من صعيد.
في الحقيقة، لم يكن ذلك أكبر همنا في اجتماعنا ذاك، ذلك أن الحشد الشعبي والضغط الإعلامي الذي نجحنا في تحقيقهما دفعا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى التبرؤ من المشروع وربما تأجيل النظر فيه إلى أجل غير معلوم... ولم نكن ننتظر من الإدارة الضعيفة لولاية الكاف أن تكون طرفا فاعلا في هذا الملف.
كان القصد في اجتماعنا بالمسؤولين في الولاية التأكيد على ضرورة التجاوب مع مطالبنا الملحة والمتكررة بمدنا بجرد كامل ومفصل في التمويلات التي منحت، من قبل الولاية، للجمعيات في ولاية الكاف منذ أكتوبر 2011 مع بيان قائمة الجمعيات المستفيدة والمبالغ الممنوحة لها والإطار الذي تم فيه توزيع تلك الأموال... وقد راجت في تلك الفترة أنباء عن توزيع ما يقارب ال 500 ألف دينار على الجمعيات في ظروف من التعتيم والضبابية التي حتمت علينا، كجمعية وطنية ومسؤولة، استقصاء الأمر وتجليه مباشرة لدى المسؤولين.
بعد استقبالنا بحفاوة منقطعة النظير من قبل المعتمد الأول وخوض سطحي في مسألة الجامعة، كان الحرج واضحا على ملامحه حالما وجهت عتابي إلى الولاية على تراخيها وتقصيرها في التفاعل مع مراسلتنا الرسمية بتاريخ 16 أفريل 2013 (أي منذ ما يقارب الشهر ونيف قبل اجتماعنا هذا). بعد الثناء على الرابطة كجمعية تحظى بالاحترام والتقدير على العمل الجاد الذي تقدمه.... ومحاولات يائسة لتبرير التأخير والمماطلة لم تنل من عزمنا وإصرارنا على المطالبة بحقنا كمجتمع مدني في مراقبة حسن استغلال ثروات المجموعة الوطنية الموضوعة تحت تصرف الولاية، انتهى السيد المعتمد الأول، في محاولة أخيرة لإسكاتنا، إلى وعدنا بتخصيص جزء من "تفتوفة" (هكذا قال) من المال ستوزع قريبا على الجمعيات وكأننا جئناه استعطاء أو طمعا في نصيب من الكعكة. أوفياء كعادتنا للقيم والأهداف التي تأسست عليها الرابطة، لم نتردد في وضع النقاط على الحروف مع السيد المسؤول معربين عن رفضنا لأي تمويل من الولاية لا يحترم مبدأي الشفافية والعدل في التصرف في الأموال المخصصة للجمعيات مؤكدين في نفس الصدد على ضرورة مدنا، في أقرب الآجال، بجرد في تمويل الجمعيات لسنتي 2012 و 2013 وذلك تفعيلا للمرسوم عدد 41 مؤرخ في 26 ماي 2011 والمتعلق بحق النفاذ إلى الوثائق الإدارية.
إلى يوم كتابة هذه الأسطر، أي بعد مرور أربعة أشهر كاملة، لم تتلق الرابطة أي رد من الولاية على هذا المطلب الهام!


من الولايات إلى الوزارات

علما منا برصد وزارة المرأة لتمويلات موجهة للمشاريع التشغيلية التي تقترحها الجمعيات لفائدة المرأة الريفية، انكبت مجموعة من أعضاء الرابطة على إعداد أكثر من مقترح لمشاريع صغرى لصالح المرأة الريفية، وقد تم ذلك بالتعاون مع أخصائيين في التنمية والفلاحة لاستيفاء المعايير العلمية والعملية للدراسات المقدمة، كما كان لأعضاء الرابطة زيارات ميدانية ومعاينات لظروف عيش بعض العائلات المعوزة لتحديد قائمة من المرشحين للتمتع بالتمويل.
وقد راهنت الرابطة على هذه المشاريع إيمانا منها بدور المجتمع المدني كرافعة للتنمية المحلية والجهوية وانطلاقا من حسها الوطني بالمسؤولية وعملا على تحقيق أحد أهم أهداف الرابطة وهو التنمية البشرية في كل أبعادها وأولها البعد الاقتصادي، ذلك أن الرابطة تؤمن بأنه لا انعتاق ولا تحرر ولا حرية إلا بالانعتاق الاقتصادي والاجتماعي الذي يحرر المواطن من أسر الخوف والقمع الاقتصادي الذي هو أداة الاستبداد الأولى.

وقد قدمت الرابطة ملفات الدراسات المفصلة إلى وزارة المرأة منذ ديسمبر 2013 لتبدأ منذ ذلك الوقت سلسلة من التسويف والمماطلة والتجاهل لم تنقطع إلى يوم كتابة هذه الأسطر. وقد تعاملت الرابطة بكامل الحرفية والإيجابية مع الوزارة وأبدت استعدادا للقيام بأي إجراءات من شأنها أن تسرع وتسهل التعاطي مع هذه المشاريع التي تصل طاقة تشغيلها إلى قرابة الخمسين مرأة ريفية (هذا دون احتساب المنتفعين غير المباشرين المقدر عددهم بالمآت).
ما زاد الطين بلة هو رفض وزارة المرأة ومماطلتها في عقد اتفاقية شراكة مع الرابطة مفضلة محاباة الجمعيات الموالية كتونس الخيرية التي يترأسها شقيق الأمين العام لحزب السيدة الوزيرة (وهي فرع لمؤسسة قطر الخيرية التي تغدق عليها ملايين الدينارات). وقد علمنا لاحقا أن نفس هذه الجمعية أطلقت في أكتوبر 2012، تحت إشراف وزارة المرأة، حملة توزيع دراجات هوائية رفيعة النوع لفائدة عدد من الأطفال في مناطق داخلية... (المصدر 1).

إن رفض تمويل مشاريع مشغلة تحقق الانعتاق الاقتصادي لعدد من العائلات بتوفير دخل قار مع إنتاج الثروة وتبجيل الهبات والعطاءات في حملات دعائية ذات خلفيات سياسوية ترمي إلى الإبقاء على حالة التبعية الاقتصادية للفئات المعدمة لينم عن عقلية استعبادية لفظتها ثورة 17 ديسمبر. ذلك أنه في نظر الرابطة، من الأجدر تحقيق الاستقلالية الاقتصادية عبر توفير مورد رزق قار لهذه العائلات لتمكينها من شراء الكتاب والقلم والدراجة والمأكل والمشرب... بعيدا عن أي ابتزاز سياسي. ذلك هو السبيل الأوحد للتحرر الحقيقي.

وفي إحدى الاجتماعات الفلكلورية التي عقدتها الترويكا مع جمعيات بالجهة، حضر وفد من الرابطة لغايتين لا ثالث لهما: أولا تعبيرنا عن رفضنا لسياسات تدجين المجتمع المدني بعد ثورة 17 ديسمبر، وثانيا، حتى نكون إيجابيين وعمليين كعادتنا، اقترحنا سن قانون يفرض على الوزارات والجماعات المحلية والجهوية، إعطاء الأولوية للمشاريع المشغلة عند توزيع التمويلات على الجمعيات وذلك في إطار الشفافية التامة...

من الوزارات إلى الرئاسة

من مصادر من صلب رئاسة الجمهورية، وصلتني معلومات بوجود انتقائية واضحة في اختيار الجمعيات التي تتمتع بمساعدات وتمويلات وذلك على أساس الانتماء والولاء السياسين في تعد صارخ لمبدأ حياد مؤسسة الرئاسة وهو ما يتطلب فتح تحقيق عاجل في كيفية التصرف في المال العام المرصود للمجتمع المدني وذلك من أدنى السلم على مستوى العمادات إلى المعتمديات فالولايات والوزارات وصولا إلى رئاسة الجمهورية.


إنني على يقين بأنه، وسط الإفلاس السياسي لنخبة سياسية مهترئة ومتهرمة، على المجتمع المدني أن يضع كل ثقله لفضح الجرائم التي ترتكب في حق الشعب والثورة من أجل مغانم شخصية وفئوية لا تخدم المفقرين والمعدمين الذين ثاروا من أجل الخبز والحرية والكرامة الوطنية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire