Designed by Freepik

mardi 22 octobre 2013

أزمة الثورة في تونس : بين الماضي والحاضر - 2

عامان على 23 أكتوبر

أزمة عقيدة التأسيس وغياب البناء الكلي





أحاول، بكثير من التواضع، في هذه السلسلة من المقالات التي بدأتها بمقال أول بعنوان "أزمة الثورة في تونس : بين الماضي والحاضر - 1" (أنظر الرابط)، أن أخرج من سياق التفكير الملألوف إلى سياق أرحب،  أن أشارك من موقعي المتواضع في بناء عقل مؤسِّس لا يلغي العقل المؤسَّس (1) ولكن يحاول بقدر المستطاع التحرر من أوثاقه وموروثه. وهي مهمة تزداد صعوبة مع اشتداد أزمة الحكم في تونس وانسداد الأفق السياسي مما أدى حتما إلى طغيان الآني على الاستشرافي والترقيعي على التأسيسي.


هكذا مر عامان على استقرار منظومة السلطة الجديدة، منظومة 23 أكتوبر، وبالرغم مما شهدته الساحة السياسية من تموجات وهزات وارتدادات، فقد ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي يراوح بين الجمود والتقهقر يحكمه تغول جماعة على حساب أخرى ورأسمالية المحاسيب والزبونية البغيظة وسياسات التبعية والإذلال في استمرار وتواصل مع سياسات نظام السابع من نوفمبر الذي كان التلميذ النجيب في نظر المنظمات المالية الدولية وما تبعها من وكالات تصنيف وتزويق... هذا واقع مرحلة كان يفترض أن تكون تأسيسية وأن تحدث قطيعة أخلاقية، سياسية ومجتمعية مع السائد قبل 17 ديسمبر، إلا أن السلطة الجديدة اختارت على عكس المنتظر الارتداد إلى الوراء رافضة القطيعة مع القديم والتأسيس للجديد فارتدت وانزوت وانعزلت.


أما المجلس التأسيسي فقد تحول إلى مجرد أداة تزكية في يد الأغلبية يشرع لها ويراقبها في آن، هذا علاوة على وهن الأداء وتدني مستوى الخطاب السياسي والعجز عن التعبير، بالوضوح الكافي،على تطلعات الجماهير والشباب الثائر بصفة خاصة. كل ذلك حول جلسات التأسيسي وحواراته إلى مشهد هو أقرب إلى صراع ديكة ومشهد مستفز للذكاء والحياء الشعبيين تطغى عليه المزايدات الكلامية التي لا ترتقي إلى الفعل السياسي المؤسس...

لسنا هنا بصدد تجريح نواب الشعب المنتخبين أو تقزيمهم، إلا أن دقة المرحلة وجسامة التحديات المطروحة وطنيا وإقليميا تستوجب وقفة فكرية نقدية تتجاوز العاطفي والمرحلي على حد السواء. وفي الحقيقة يعود هذا الانحراف إلى أزمة عميقة في التأسيس، أزمة ضاربة في عمق التاريخ وتطور أو بناء العقل العربي الإسلامي كما شخصه الفيلسوف الألمعي محمد عابر الجابري في سلسلة كتاباته النقدية عن العقل العربي...


نعم، لقد تميزالعقل العربي منذ "ترسيمه" في بداية الخلافة العباسية ومنذ عصر التدوين، في عهد الخليفة المنصور، بطغيان اللّغويّ الكلاميّ الشِّعري على المعنى والمنطق. وهو ما يشير إليه الجاحظ وكذلك الشهرستاني مثلا في كتاباتهم عندما يقارنون بين العقل العجمي (الفارسي واليوناني) والعربي واصفين الأول بأنه يتميز بالاجتهاد والاكتساب مقابل الحدس والارتجال عند الثاني. وليس غريبا أن يتزامن عصر التدوين هذا مع أول الإبداعات العلمية وربما أخطرها في التاريخ المعرفي العربي، إنه علم اللغة والنحو الذي وضع أسسه الخليل الفراهيدي ثم تلميذه سيبويه (وهو عمل جبار وذو قيمة وصلابة علمية مشهودة)... لا تكمن الخطورة في تقعيد اللغة، فقد استجاب هذا العمل إلى ضرورة تاريخية وإرادة سياسية في تعريب الإدارة والقطع مع هيمنة الفرس والرومان عليها، وإنما تكمن في الخلط بين المنطق واللغة. وسيحل النحو بالنسبة للعقل العربي محل المنطق بالنسبة للفلسفة الإغريقية. هكذا بنى الإمام الشافعي، في كتابه "الرسالة"، أصول الفقه وقنن عمل العقل وشرّع له متوخيا علوم اللغة والنحو مرجعا لاستنباط الأحكام من قوانين اللغة وآليات إفصاحها وتعبيرها عن المعاني... من الناحية السياسية كذلك، كان التدوين في مطلع الخلافة العباسية أكبر عملية لجمع العلوم وتبوبها وتصنيفها تحت إدارة الدولة مع ما شاب هذا المشروع من انتقاء وتوجيه لإضفاء الشرعية على الخلافة الوليدة بعد القضاء على الأمويين مع ما سيستتبعه ذلك من طمس للمنتوج العلمي والمعرفي والثقافي الأموي...  لقد كان ذلك عملية "ترسيم" للعقل العربي وتقنينا للرأي وتشريعا للإنتاج الفكري والمعرفي العربي. لا أريد أن أطيل في إعادة تفسير ما برع الجابري في بيانه والتدليل عليه في كتابه "تكوين العقل العربي" (2)، ولننصرف إلى محاولة قراءة تداعيات هذه الحقيقة التاريخية على واقعنا السياسي والاجتماعي الراهن.


أما على مستوى الخطاب السياسي الرسمي (سلطة ومعارضة)، فلا يختلف اثنان في كلل التونسيين ومللهم من المناكفات السياسوية التي تأخذ شكل مزايدات شعاراتية وطابعا كلاميا يفيض فيها اللفظ على المعنى والمنطق، وكأن فائض اللفظ على المعنى في العربية وجد امتدادا له عبر التاريخ فلم نخرج من لسان العرب لابن منظور وعروض الفراهيدي وإيقاع العربية ونغمتها "مما يجعل الأذن والحس والعاطفة تنوب عن العقل والمنطق في الرفض والقبول" (2).

وأما على مستوى "ترسيم الثورة" وتأميمها وخوصصتها وتحزيبها، فإذا أخذنا منظومة 23 أكتوبر وطبيعة تعاطيها مع الماضي القريب منه والقديم (التاريخ العربي والإسلامي وتاريخ تونس الوطني الحديث...)، وجدنا نزوعا مرضيا لإعادة إحياء معارك الماضي وتأجيجها، وهو ما عبر عنه الجابري ب"التنافس على الماضي" من أجل الهيمنة على الحاضر والاستحواذ عليه، وهو ما نراه بوضوح في محاولة فريق إحياء مسائل هوياتية مصطنعة والطعن في الموروث البورقيبي وما قامت عليه الدولة الوطنية الحديثة من مكاسب من أجل هدم الحاضر وإعادة بناءه على أساس رؤية فئوية للماضي. نحن لسنا هنا بصدد تمجيد الموروث البورقيبي، فلنا عليه مآخذات عديدة منها مسؤولية التصحر السياسي الذي أدى إلى أكثر من نصف قرن من حكم الحزب الواحد، بل إننا نذهب إلى أبعد من ذلك بالقول أن النظام البورقيبي نفسه قام ب"ترسيم الحركة الوطنية" وإعادة كتابتها على مقاس حكمه وأيديولوجيته بإقضاء كل المخالفين باغتيالهم أوقبر تاريخهم ونضالاتهم... نحن هنا أمام ظاهرة "عربية" لم تستثن أحدا قوامها التنافس على الماضي من أجل إعادة كتابة الحاضر والاستحواذ عليه وإعادة بناءه وفق مصلحة الجماعة أو الحزب أو الأيديولوجيا.
إعادة البناء هذه ترافقها اليوم عملية هدم لمؤسسات الدولة وقيم المجتمع التونسي المعتدل المتلاحم المتجانس قصد تشطيره وإضعاف وحدته قبل إحكام القبضة عليه باسم العودة للأصول والهوية وعبر إذكاء صراعات الماضي وتحويل وجهة الثورة من صراع طبقي على الوجود والتوزيع العادل للثورة والكرامة إلى خلاف فقهي وصراع هويات وهمية.

البناء الكلي بدل البناء الكلياني

إن السؤال الجوهري الذي نطرحه هنا هو متى بناء العقل العربي تاريخي الوعي كوني المنبع؟ ذلك العقل الذي يتنافس على المستقبل انطلاقا من الحاضر وما راكمته حضارتنا العربية الإسلامية العظيمة وسائر الحضارات التي استفادت من أعمال الفارابي وابن سيناء وابن رشد، أليس ابن رشد هو الذي سهل على أوروبا الحديثة فهم أرسطو منذ توماس الأكويني مما قادها إلى إحداث قطيعة معرفية وفلسفية وعلمية؟

سأسوق مثالين في التعاطي العاطفي المتشنج للعقل العربي مع إحدى أخطر القضايا الراهنة لأبين فشل هذا النوع من التعاطي وقصوره في تأدية المهمات المنوطة به.

فعلى صعيد مسألة التعريب، وإن كنت أعتبر نفسي من المتعصبين للغة العربية، فإنني أعتبر أن مسألة التعريب لم تطرح بالطريقة السليمة والعلمية والعقلانية التي تفضي بالفعل إلى انتشال اللغة الشريفة من حالة الهوان والفقر والانحطاط التي تتخبط فيها. إن تخلف اللغة العربية عن ركب الاكتشتفات العلمية والثورة الابستيمولوجية التي عرفها الغرب منذ عصر النهضة الأوروبية وانزواءها وانحصار الأخذ بها في مجال علوم الفقه (ومن ذلك قول الجابري أن الحضارة العربية هي حضارة فقه بامتياز(2))، كل ذلك أدى إلى تحولها إلى لغة جامدة لا تاريخية لم تتطورمنذ لسان العرب لابن منظور (القرن السابع هجري). إن تعريب الإدارة والتعليم، فرنسيّي النشأة، لا يكفي لإحياء اللغة العربية وإعادة بعثها كلغة "للعصر" ما لم تتحول إلى لغة لإنتاج المعرفة والتكنولوجيا والصناعة والمعرفة والثقافة والفن. وإذا نظرنا إلى هيمنة الغرب على صعيد المعرفة وصناعة المعرفة والكم الهائل من الحواجز الاقتصادية والقانونية وخاصة السياسية التي تحول دون ولوج العرب إلى عالم صناعة المعرفة (منظومة حماية الاختراعات وما يتكلفه ذلك من تمويل وموارد...) ومحاصرة تجارب التصنيع والتسلح الوطنية... سنجد أنفسنا أمام استنتاج واحد وهو ضرورة العمل على مستويين: مستوى أول يدعم اللغة العربية كلغة وطنية للإدارة وكذلك وخاصة العمل على إقليمي ودولي ودبلوماسي (كمكمل ضروري) من أجل مجابهة الحواجز المعرفية التي تحدثنا عنها سابقا على مستوى دولي وفي شكل جبهات دلبوماسية إقليمية، ومستوى ثان لدفع تعلم لغات المعرفة المعاصرة والتمكن منها ودعم البحث العلمي للحاق بركب الأمم بعد طول تأخر. إن الترجمة والتعريب لن يجديا نفعا قبل أن نتحول إلى قوى منتجة للفكر والمعرفة، وإن كان ذلك بلغة أجنبية، فيسهل بعد ذلك كسر الجمود الذي يعاني منه لسان العرب منذ قرابة السبعة قرون.

أما على صعيد السياسة الخارجية واستراتيجية العرب (إن وجدت) في مواجهة التحديات الإقليمية والقومية، فمن الوجاهة استحضار ما كتبه الشهرستاني في " العقلانية الفارسية الإيرانية مقابل القبلية والحدس العربي"،... وإن كنت أمقت فكرة العداوة الوهمية بين إيران 'الفارسية الشيعية" والعرب "السنة"، فإنه من الجدير، من الناحية التحليلية البحتة، دراسة ردود فعل الحكومات العربية بعد بوادر التقارب الأمريكي الإيراني حول الملف السوري... لم يجن العرب شيئا من سياسة الولاء الأعمى للأمريكان وهم يرون اليوم أن التقارب الإيراني الأمريكي يسقط في الماء كل طموحاتهم لضرب إيران، القوة العظمى الصاعدة، عن طريق أمريكا... ذلك لأن العرب (الحكام العرب) لطالما تفاوضوا مع الأمريكان فرادى ولم يؤسسوا أبدا لدور استراتيجي موحد، بل يمكن القول أنهم كانوا دوما يتآمرون مع الأمريكان ضد بعضهم البعض في سباق لاسترضاء سيد البيت الأبيض الذي كان، من جهته، حريصا على بث الفوضى والفتنة في جسد الأمة العربية قصد دفعها إلى سباق التسلح ضد الشعوب المقهورة، وضد بعضهم البعض وضد العدو الإيراني الوهمي لغاية إحكام القبضة على مواردنا وثرواتنا لنزيد تخلفا وفقرا وانقساما.


إن السبيل الوحيد للقطع مع هذا السائد البغيض القبيح هو استيعاب الماضي برمته  في ما يسمى بالعقل العربي الكلي كنقيض للكليانية. فإذا كانت الكليانية تقصي كل ما يتعارض وسلطة الحاكم المشرِّع، فإن العقل الكلي الكوني يشرِّع لوجود الكل داخل منظومة قوامها العقلانية والاستصلاح والاستحسان والاجتهاد من أجل بناء المستقبل، ووحده تشبيب الطبقة السياسية وتجديد فكرها ووعيها قادر على كسر هذا السائد والخروج بالواقع الضيق إلى مستقبل أرحب. ولن يتم هذا إلا باقتلاع النظام القائم الذي لا يثير الماضي إلا من أجل إعادة كتابته على هواه وترسيم نظريته في الماضي حاضرا ليظل العقل العربي سجين الماضي والشعب التونسي أسير الخلافات المذهبية ومعارك الجامعات وأحقاد الأحزاب وضغائن "الشخصيات الوطنية"؟ في الأثناء يواجه شباب الثورة اليأس والإحباط وذل البطالة ويلقى به في غياهب السجون أو في محارق الماضي كوقود حرب في معارك لا ناقة له ولا جمل فيها.

فليسقط النظام ولتحيى تونس.


أيوب المسعودي
22 أكتوبر 2013


المراجع

(1) - A. Lalande, "La raison et la Norme", pp 16 - 17, 1963
(2) - محمد عابد الجابري، "نقد العقل العربي"



vendredi 13 septembre 2013

أزمة الثورة في تونس : بين الماضي والحاضر - 1

في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، كتب المفكر المغربي محمد عابد الجابري في "حوار المشرق والمغرب"، وهو كتاب يجمع جملة النقاشات الفكرية والسياسية التي جمعته مع نظيره المصري الدكتور حسن حنفي، قائلا "فنحن أمة واحدة تاريخا، ووطنا، وأرضا، وشعبا، وثقافة، وهمّا، وحاضرا ومستقبلا. تجزئتنا إحدى مآسينا، وتفرقتنا نتيجة لاستعمارنا وأحد أسباب عجزنا عن مقاومة أشكال الاستعمار الجديدة. حدود مصطنعة، ودول مزعومة، ونظم غير مستقرة، ليس لها نظرية أممية أو قومية أو ووطنية. ملكيات وراثية يرضى عنها البعض، ونظم ثورية إثر انقلابات عسكرية يعاني منها الكثير، وكلاهما تنقصه نظرية في العقد الاجتماعي تفسر نشأة السلطة".





ما أحوجنا إلى مثل هذه الحوارات في زمن عسكرة العقول واصطفاف الضمائر

ما لفت انتباهي من جديد إلى هذا الكتاب وجعلني أعود إلى تصفحه، علاوة على ألمعية المتحاورين ، هو اتساق القضايا والأطروحات المتناولة مع حاضرنا العربي حتى ليخيل لك، وأنت تقرأ الكتاب، أن الحوار لم ينته وأن حركة التاريخ قد توقفت، على الأقل في عالمنا العربي. فالفقر والتخلف والتبعية ما يزالون يطبعون حاضرنا حاجبين أي أفق للانعتاق أو التحرر الحقيقي مقابل تأجيج الطائفية والتطرف وما يترتب عن ذلك من تشطير للأمة فكرا وكيانا وجغرافيا من أجل تجزئة المجزء وإحكام هيمنة المستعمر على السياسة ثم الثروة.


لقد رجع المفكران إلى تحديات عصر النهضة العربية، للوقوف على أسباب إخفاق المحاولات الإصلاحية الصادقة لمفكرين عرب بدءا بالأفغاني وصولا إلى محمد عبده والكواكبي وأرسلان وغيرهم كثيرون من أولئك الذين عايشوا بداية انهيار الامبراطورية العثمانية وخوف الأمة من اندثارها ونهاية دورها الحضاري. وفي الحقيقة فقد صاحب هذه الحركة "العربية" اعتقاد راسخ بدور التتريك والإسلام السياسي العثماني في تقهقر الحضارة الإسلامية فكان أن نادى العديد إلى كسر مركزية الدولة وعقلنة السياسة وإرساء الحرية وتحكيم العقل. ومع ظهور القومية التركية و"تركيا الفتاة" ودور إدارة المستعمرات البريطانية في حركة الشريف حسين تحت مسمى "الثورة العربية الكبرى"، تحقق المحتوم أي انفصال الدول العربية عن الامبراطورية العثمانية المنهارة ونشأة الحركات الوطنية المنادية باستقلال "الأقطار" ومقاومة الاستعمار. ومع ميلاد الدول الوطنية القطرية المستقلة، حرصت الدول الاستعمارية أولا على دعم حركات أصولية ستلعب دور الإزعاج والابتزاز لبعض الأنظمة القومية لاحقا أو تنصيب وكلاء محليين يضمنون حماية مصالحها بعد خروجها "جغرافيا" لبقاءها "سياسيا". وستعمل المخابرات الغربية طوال عقود بعد ذلك على حبك المخططات وبث الفتنة داخل الأنظمة العربية أو بينها لدفعها إلى الاحتراب وثنيها عن طريق الوحدة والاتحاد. فكما سعت فرنسا مثلا إلى السيطرة المتواصلة على إفريقيا الغربية عبر ابتزاز الأنظمة بتمويل وتسليح المتمردين أو دعم المعارضين وتأجيج الصراعات العرقية، حرصت المخابرات البريطانية والأمريكية على خلق التوجس والفرقة داخل الجسم العربي وخاصة في دول الخليج التي تسابقت للتسلح وفتح أبوابها أمام القواعد العسكرية الأمريكية لحماية عرش العائلات الحاكمة من الشعب الجائع أو الجيران "المتآمرين".

كما أن الحوارات المنشورة للعابدي وحنفي ناقشت قضايا الثمانينات وبداية التسعينات وما رافق هذه الحقبة من تزايد لشعبية الحركات الإسلامية مع الثورة الإيرانية وفشل الأنظمة "القومية" في تحقيق تطلعات الشعوب من تحرر واستقلال فعليين. الكل يعرف ما آلت إليه محاولات الحركات الإسلامية التي حاولت هنا وهناك المشاركة في العملية السياسية.

لست هنا لتحميل مسؤولية واقعنا الرديء لفصيل سياسي أو أيديولوجي دون آخر، فقد اجتهد المفكرون والسياسيون كل حسب تجربته الذاتية وسياقه التاريخي الموضوعي. فكل المدارس السياسية والفكرية حملت وتحمل جزءا من المسؤولية في ما آل إليه وضعنا العربي، ولعل أخطر إخفاق يكمن في فشل التوافق حول مسألة جوهرية وهي تحكيم العقل وعقلنة السياسة وتعصيرها على أساس الحكم للشعب ومن الشعب وعلى أساس النتائج لا الأيديولوجيا والشوفينية العرقية أو المذهبية.

أنا هنا للتساؤل معكم، متى نستيقظ من سباتنا نحن العرب؟ ولماذا كتب على كل حركات التنوير والنهضة والتجديد العربية بالفشل؟ لماذا نتغاضى عن أمهات القضايا لنخوض في رؤية الهلال ورضاعة الكبير؟ لماذا تطرح الأحزاب السياسية مثلا، في مزايدة مضحكة، مسألة تعريب التعليم كمسألة ذات أولوية (ولا أقبل مزايدة في العروبة ممن يسترشدون بالفكر القومي العروبي خطابا ويطعنونه وراء جدران السفارات الغربية)، مع يقينهم باستحالة تطبيقه وبأن تطبيقه في ظل تخلفنا العلمي والأدبي والثقافي انتحار حضاري؟

لقد أصيب العقل العربي بشلل نصفي منذ أن أعلن أبو حامد الغزالي (القرن 11 و 12 م)، الأب الروحي للسلفية، الحرب على العلوم العقلانية والنقدية والطبيعية فكفر الفارابي وابن سينا وكتب "تهافت الفلاسفة"... ولم تفلح ألمعية ابن رشد (القرن 12 م) ومحاولاته في إحياء تلك العلوم وإنصافها في "تهافت التهافت" في نفخ روح جديدة في العقل العربي وكان الأوروبيون هم من استفادوا من فلسفة ابن رشد فنهضوا بترجمة توماس الأكويني (Saint Thomas d'Acquin)، في القرن 13 م، لكل ما كتب ابن رشد من تفسير وشرح ونقد، لا نقل، لفلسفة أرسطو. وهكذا ستولد العقلانية الأوروبية فيما بعد مع ديكارت وليبنيتز وسبينوزا (القرن 17 م) ثم لاحقا فلسفة التنوير مع ديكارت وكانط وفولتير... تمهيدا للثورة الفرنسية وما تبعها من ثورات أوروبية في القرن 19.


وهنا علينا أن نتساءل، هل يمكن لثورة لم يسبقها عمل تنويري يؤسس لأرضية فكرية أصيلة وتتوفر على مناصرين من داخل الشعب أن تحقق أهدافها؟ أعرف أن الكثير سيتهم خطابي هذا ب"التعالي" وب"النخبوية"...؟ ولكن أليس من الشعبوية والنفاق بل ومن الإجرام أن تعد الأحزاب الشعب بالجنة على الأرض وهم يفتقرون لبرامج مجددة وناجعة ونابعة من الواقع لا مجرد اجترار لنظريات ونماذج أثبتت فشلها في أكثر من موطن؟
لماذا تحول جوهر الثورة من طبيعته الطبقية كصراع من أجل الوجود والكرامة والحرية إلى صراع فقهي؟ لماذا سكت الفكر ونطق التكفير؟ لماذا اغتيلت الأفكار بسلاح الفتاوى؟ لماذا تحول الصراع من صراع بين أقلية عائلية وإقطاعية موالية من جهة وشباب معدم ومفقر من جهة أخرى إلى حرب بين "إسلاميين ظلاميين" و"علمانيين كفرة"؟ ألم تسبق الثورة الفرنسية فلسفة تنويرية بينما سبقت ثورة 17 ديسمبر حملات دمغجة وقصف للعقول إما عبر قنوات الدعارة الممولة خليجيا أو قنوات بول البعير وحكم إرضاع الكبير الممولة أيضا... خليجيا؟
لماذا نخوض في كل شيء إلا في أصل الداء؟ ألا يضرب بمجتمعاتنا المثل في أقصى درجات الغنى وأشد حالات الفقر كما يقول العابدي؟ كيف حدنا بجوهر الثورة عن أصله ونحن أمة واحدة نعبد إلاها واحدا، قبلتنا واحدة ولغتنا واحدة؟ أما آن الأوان لنا أن نترك الجدل الفقهي المصطنع ونهجره ونتفرغ للعبادة الفعلية، أليس العمل عبادة في ديننا السمح؟ فمتى سنناقش المسائل الرئيسة، أي كيفية توزيع الدخل القومي بطريقة عادلة وناجعة بما يحقق الرخاء والعدل بعيدا عن الهبات والمعونات وما يصاحبها من إذلال وهيمنة؟ لماذا يعد العالم العربي أغنى أغنياء العالم وهم قلة قليلة أمام أفقر فقراء العالم وهم السواد الأعظم؟ لماذا تجتر أحزابنا النماذج الاقتصادية البالية والفاشلة وتنحني لإملاءات المؤسسات المالية العالمية التي لا تبحث إلا عن مزيد تفقير الشعوب وإحكام هيمنة الدول الاستعمارية عليها؟ لماذا التزمت حركة النهضة باتباع سياسات اتفاقية واشنطن وما تمليه من خيارات ليبرالية متوحشة أثبتت فشلها، ألم يكتب ستيغليتز (أمريكي متحصل على جائزة نوبل في الاقتصاد) ما يثبت فشل هذه الخيارات في كتابه "Le Prix de L'Inégalité" لتصح مقولة "وشهد شاهد من أهلها"؟

نحن أمام نخبة سياسية تسعى أكثر إلى تحصين امتيازاتها وتأبيد سلطتها أكثر من تحصين العقول الذي يمر أولا عبر تحصين القوت وتوفير العمل والعدل في توزيع الثروة. إلا أن جزءا من هذه "النخبة" لا يهمه الانعتاق الاقتصادي للتونسيين، والذي هو أساس الانعتاق الحقيقي، بقدر ما يهمه الإبقاء على العقول في حالة تخدُّر لتمرير الخطابات الأيديولوجية وتجنيد الشباب المعدم في معارك حزبوية انتخابوية وأخرى إقليمية لا تخدم إلا أعداء الأمة. بل يمكن القول أن النخبة السياسية الحالية، سلطة ومعارضة، تريد أن تسجن الشعب في أحقادها الأيديولوجية وتقحمه في استكمال معارك الجامعات التي لن تنتهي إلا بخراب الوطن.

lundi 9 septembre 2013

لماذا يُحاكم وليد؟ لماذا تُحاكم الثورة؟

لماذا يُحاكم وليد؟
لماذا تُحاكم الثورة؟





وأنا أستمع، بكثير من الانتباه، إلى الندوة الصحفية التي عقدها اتحاد نقابات الأمن التونسي، تلقيت خبر إيقاف أخي وصديقي وليد زروق كاتب عام نقابة السجون والإصلاح مع دخوله في إضراب جوع وذلك على خلفية كشفه عن قائمة إسمية لأعضاء الأمن الموازي. لم أتفاجأ كثيرا وذلك لعدة أسباب، أولها هو ما دار من حديث بيني وبينه منذ يومين حول التهم الموجهة إليه وعزمه على المضي قدما في الدفاع عن مواقفه وآرائه لا يخاف في ذلك لومة لائم. وقد تيقنت من نبرات صوته أن لا شيء سيزحزحه عن طريق الصدح بالحق وفضح الفساد الذي استشرى في مؤسسة الأمن وتفرعاتها وأجهزتها بما في ذلك السجون والإصلاح الخاضعة لوزارة العدل.

ليست هذه المرة الأولى التي يقاضَى فيها وليد على معنى الفصل 128 من المجلة الجزائية (نسب أمور غير قانونية لموظف عمومي دون الإدلاء بما يثبت) رغم تقديمه لقرائن ووثائق وأسانيد تؤسس لما يقدمه من ملفات فساد مستشر في السجون والإصلاح. وفي الحقيقة، أشرت أعلاه لندوة اتحاد نقابات الأمن التونسي التي عقدت يوم 06 سبتمبر 2013 حتى أمهد لجملة من الملاحظات ذات صلة بقضية وليد زروق أسوقها بالتوالي:

- جاءت تصريحات النقابيين في الندوة المذكورة ملتبسة وقد اختار المتدخلون من أعضاء اتحاد نقابات الأمن الداخلي عدم الكشف عن الأسماء في العديد من المسائل الحيوية، وقد يعود ذلك إلى الخوف من التتبعات القضائية على معنى الفصل 128 من المجلة الجزائية على عكس وليد زروق الذي اختار الوضوح والشجاعة في الصدح بالحقيقة في ملف لم يعد يحتمل المواربة والمراوغة،
- أقر الأمنيون بعلمهم بوجود أبي عياض في جامع الفتح منذ الثامنة صباحا إلا أن التعليمات أمرت بالانسحاب وبعدم الالتحام، ولم يذكر النقابيون مصدر هذه التعليمات وخلفياتها؟ في تقديري، النهضة سعت إلى أن يظل أبو عياض طليقا لتُلبسَه كل الجرائم التي سترتكب لاحقا وتعلق على تنظيمه مسؤولية الجرائم الإرهابية اللاحقة وتبرير القمع تحت مسمى الحرب المقدسة على الإرهاب... إذ كيف نبرر غياب تبني أنصار الشريعة للاغتيالات وأحداث الشعانبي؟
- أقر الأمنيون بوجود ولاءات سياسية داخل الجسم الأمني مع تورط قياديين سامين في الإرهاب؟ وهنا نطالب بالكشف عن طبيعة هذه الولاءات ومدى تنظمها والتنسيق بينها؟ ولماذا لم يكشف عن أهم القيادات الأمنية المتورطة في ما يسمى بالأمن الموازي الذي فضحه وليد زروق وغيره من الصحفيين الاستقصائيين؟ وأين وصلت قضية فتحي دمق زما مدى ارتباطها بقضية الاغتيالات؟
- لماذا تم التغاضي عن آخر المستجدات في قضية الاغتيالات وإقرار كل المحالين في هذه القضايا بعدم مقابلتهم مع أبي عياض ووساطة أبي بكر الحكيم في بيعة أبي عياض باليمن؟ أليس من تقاليد التنظيمات الإرهابية تبني أعمالها والتسويق لها إعلاميا؟ فما سبب غياب أي تبن من قبل تنظيم  أنصار الشريعة للأعمال الإرهابية؟ ومتى كانت صفحات التواصل الاجتماعي مصدرا موثوقا تعتمد عليه الأجهزة الأمنية؟
- ما هو موقف هذه النقابات من استدعاء محققين من ال ف.بي.آي لحضور جلسات استماع لمتهمين تونسيين في تعد سافر على السيادة الوطنية وما هو رأي الأمنيين في جدوى إحداث منطقة عسكرية مغلقة في الجنوب وعلى الحدود الغربية؟
- تحدث النقابيون عن غياب استقلالية النيابة العمومية، وهو أمر لا خلاف عليه، ولم يتحدثوا عن تداخل السياسي بالقضائي بالمالي. فمن أذن بالتحقيق في حق وليد زروق هو السيد طارق شكيوة، زوج السيدة وداد بوشماوي، الذي عينه السيد نور الدين البحيري كوكيل للجمهوية بمحكمة تونس، وهو منصب شبه سياسي في إحدى أكبر محاكم الجمهورية التي احتضنت تاريخيا كل قضايا الرأي،
- لماذا لم يتم التطرق إلى هوية مسرِّب محاضر التحقيقات إلى الإرهابيين؟
- لماذا تم التغاضي عن ترقية السيد محرز الزواري (الذي لم يذكر إسمه البتة في الندوة الصحفية)، زعيم الأمن الموازي والذي تم إبعاده، تحت الضغط الإعلامي، عن إدارة المصالح المختصة إلى المدرسة العليا لقوات الأمن الداخلي التي تكوِّن الإطارات والضباط السامين في الأمن الداخلي مما سيمكنه من بث سمومه والتأسيس، منذ المهد، للولاء لحركة النهضة وخدمة أجندتها الحزبية؟ (لا أحتاج هنا إلى التذكير بدور السيد محرز الزواري في إفشال عمليات مطاردة الإرهابيين)،
- ماهي المعلومات المتوفرة لدى استعلامات الأمن الداخلي حول هوية الأطراف التي كانت وراء تسريح رجل الأعمال الذي كان يدفع كراء وكر أبي بكر الحكيم والذي تجمعه علاقة قرابة بالسيد الطاهر العياري المنتمي لحركة النهضة والمسؤول عن أمن مقرها؟
- لماذا لم يتم الكشف عن إحدى أهم الملفات وهو ملف الجمعيات الداعمة للإرهاب، الممولة خليجيا، والتي كشفت عنها خلية الأزمات التي تم وضعها إبان مقتل الشهيد شكري بلعيد؟ لماذا تتستر وزارة الداخلية عن الأسماء؟ هل أن وجود جمعيات عنيفة موالية للنهضة وراء هذا التستر والخوف؟
- لماذا تم السكوت عن الإخلالات التي شابت عمل خلية الأزمة الخاصة بالشعانبي والمتكونة من أمنيين وعسكريين، تحت مسؤولية وحيد التوجاني؟ وهل كان التوجاني حريصا على نقل المعلومة والتنسيق مع العسكريين؟

كل هذه الأسئلة أسوقها أمام الرأي العام حتى يتحمل كل طرف مسؤوليته وحتى لا يكون وليد زروق كبش فداء على مائدة الصفقات السياسية القذرة تحت مسمى الحرب على الإرهاب. فلنساند وليد زروق ولندفع كلنا نحو كشف أرشيف البوليس السياسي وكشف كل الحقيقة حول جرائم الدولة التي ترتكب كل يوم في حق تونس وفي حق الثورة.


عاشت تونس حرة أبية
عاشت الثورة
أيوب المسعودي

09 سبتمبر 2013

jeudi 5 septembre 2013

عندما تتحول الجمعيات إلى حصان طروادة للنهب والسلب

عندما تتحول الجمعيات إلى حصان طروادة للنهب والسلب

أيوب المسعودي
05 سبتمبر 2013






انحصرت جل المبادرات التي تقدمت بها الأطراف السياسية والاجتماعية على الجانب الفني الإجرائي الإداري للخروج من الأزمة مع الحد من خطر ما يسمى "الفراغ"، وقد كانت كلها تتمحور حول كيفية تحييد الجهاز التنفيذي في إدارة المرحلة المتبقية والتي تفصلنا عن الانتخابات التي تريد كل القوى السياسية لها أن تأتي في أقرب الآجال. وإن كان مطلب تحييد السلطة التنفيذية والتسريع في الانتخابات مطلبا مشروعا بالنظر لانسداد الأفق السياسي وتأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فإن ما يسمى بالحوار الوطني وجملة القضايا المطروحة على الساحة السياسية حاليا أغفلت إحدى أوكد المسائل وهي مسألة تمويل الجمعيات. ولما كان المجتمع المدني أداة لدى نظام 07 نوفمبر لتطويق المجتمع وابتزاز الفئات المفقرة والمعدمة، توجب الانتباه إلى استنساخ حكومة الترويكا لهذه السياسات الإجرامية بتفريخ عدد من الجمعيات الموالية التي أغدقتها الحكومة بالدعم المالي واللوجستي مقابل محاصرة جمعيات وطنية تأبى أن تُطوع وأن تتحول إلى أداة في يد السلطان.

العمادات وسياسة التطويق الاجتماعي

وصلتني البارحة رسالة من صديق يقطن بإحدى عمادات الشمال الغربي يشتكي فيها من سياسة المحاباة التي يعاني منها الأهالي وآخر تجلياتها توزيع الهدايا على نوابغ الحزب الحاكم دون غيرهم واستئثار العائلات "الموالية" بالمساعدات الاجتماعية (آخرها منحة ب450 دينار) على حساب العائلات المعوزة التي هي في حاجة ماسة إليها... هذه قطرة من بحر من الممارسات التجمعية التي تطال الوظائف العمومية والتشغيل في الحضائر ومنح رخص المشاريع والقروض...


الولايات : وكر التمويلات على أساس الولاءات

في أواخر ماي من هذه السنة، نظمت رابطة الحريات والتنمية البشرية (الجمعية التي أرأسها) وقفة احتجاجية تعبيرا عن رفض مشروع برنامج لإعادة هيكلة جامعة جندوبة... على إثر هذا التحرك الناجح، استقبلنا المعتمد الأول نيابة عن الوالي للتحادث في موضوع الهيكلة وتداعياته على الجهة والمؤسسات التعليمية وسبل الضغط من أجل التراجع عن مشروع سيضر بالولاية على أكثر من صعيد.
في الحقيقة، لم يكن ذلك أكبر همنا في اجتماعنا ذاك، ذلك أن الحشد الشعبي والضغط الإعلامي الذي نجحنا في تحقيقهما دفعا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى التبرؤ من المشروع وربما تأجيل النظر فيه إلى أجل غير معلوم... ولم نكن ننتظر من الإدارة الضعيفة لولاية الكاف أن تكون طرفا فاعلا في هذا الملف.
كان القصد في اجتماعنا بالمسؤولين في الولاية التأكيد على ضرورة التجاوب مع مطالبنا الملحة والمتكررة بمدنا بجرد كامل ومفصل في التمويلات التي منحت، من قبل الولاية، للجمعيات في ولاية الكاف منذ أكتوبر 2011 مع بيان قائمة الجمعيات المستفيدة والمبالغ الممنوحة لها والإطار الذي تم فيه توزيع تلك الأموال... وقد راجت في تلك الفترة أنباء عن توزيع ما يقارب ال 500 ألف دينار على الجمعيات في ظروف من التعتيم والضبابية التي حتمت علينا، كجمعية وطنية ومسؤولة، استقصاء الأمر وتجليه مباشرة لدى المسؤولين.
بعد استقبالنا بحفاوة منقطعة النظير من قبل المعتمد الأول وخوض سطحي في مسألة الجامعة، كان الحرج واضحا على ملامحه حالما وجهت عتابي إلى الولاية على تراخيها وتقصيرها في التفاعل مع مراسلتنا الرسمية بتاريخ 16 أفريل 2013 (أي منذ ما يقارب الشهر ونيف قبل اجتماعنا هذا). بعد الثناء على الرابطة كجمعية تحظى بالاحترام والتقدير على العمل الجاد الذي تقدمه.... ومحاولات يائسة لتبرير التأخير والمماطلة لم تنل من عزمنا وإصرارنا على المطالبة بحقنا كمجتمع مدني في مراقبة حسن استغلال ثروات المجموعة الوطنية الموضوعة تحت تصرف الولاية، انتهى السيد المعتمد الأول، في محاولة أخيرة لإسكاتنا، إلى وعدنا بتخصيص جزء من "تفتوفة" (هكذا قال) من المال ستوزع قريبا على الجمعيات وكأننا جئناه استعطاء أو طمعا في نصيب من الكعكة. أوفياء كعادتنا للقيم والأهداف التي تأسست عليها الرابطة، لم نتردد في وضع النقاط على الحروف مع السيد المسؤول معربين عن رفضنا لأي تمويل من الولاية لا يحترم مبدأي الشفافية والعدل في التصرف في الأموال المخصصة للجمعيات مؤكدين في نفس الصدد على ضرورة مدنا، في أقرب الآجال، بجرد في تمويل الجمعيات لسنتي 2012 و 2013 وذلك تفعيلا للمرسوم عدد 41 مؤرخ في 26 ماي 2011 والمتعلق بحق النفاذ إلى الوثائق الإدارية.
إلى يوم كتابة هذه الأسطر، أي بعد مرور أربعة أشهر كاملة، لم تتلق الرابطة أي رد من الولاية على هذا المطلب الهام!


من الولايات إلى الوزارات

علما منا برصد وزارة المرأة لتمويلات موجهة للمشاريع التشغيلية التي تقترحها الجمعيات لفائدة المرأة الريفية، انكبت مجموعة من أعضاء الرابطة على إعداد أكثر من مقترح لمشاريع صغرى لصالح المرأة الريفية، وقد تم ذلك بالتعاون مع أخصائيين في التنمية والفلاحة لاستيفاء المعايير العلمية والعملية للدراسات المقدمة، كما كان لأعضاء الرابطة زيارات ميدانية ومعاينات لظروف عيش بعض العائلات المعوزة لتحديد قائمة من المرشحين للتمتع بالتمويل.
وقد راهنت الرابطة على هذه المشاريع إيمانا منها بدور المجتمع المدني كرافعة للتنمية المحلية والجهوية وانطلاقا من حسها الوطني بالمسؤولية وعملا على تحقيق أحد أهم أهداف الرابطة وهو التنمية البشرية في كل أبعادها وأولها البعد الاقتصادي، ذلك أن الرابطة تؤمن بأنه لا انعتاق ولا تحرر ولا حرية إلا بالانعتاق الاقتصادي والاجتماعي الذي يحرر المواطن من أسر الخوف والقمع الاقتصادي الذي هو أداة الاستبداد الأولى.

وقد قدمت الرابطة ملفات الدراسات المفصلة إلى وزارة المرأة منذ ديسمبر 2013 لتبدأ منذ ذلك الوقت سلسلة من التسويف والمماطلة والتجاهل لم تنقطع إلى يوم كتابة هذه الأسطر. وقد تعاملت الرابطة بكامل الحرفية والإيجابية مع الوزارة وأبدت استعدادا للقيام بأي إجراءات من شأنها أن تسرع وتسهل التعاطي مع هذه المشاريع التي تصل طاقة تشغيلها إلى قرابة الخمسين مرأة ريفية (هذا دون احتساب المنتفعين غير المباشرين المقدر عددهم بالمآت).
ما زاد الطين بلة هو رفض وزارة المرأة ومماطلتها في عقد اتفاقية شراكة مع الرابطة مفضلة محاباة الجمعيات الموالية كتونس الخيرية التي يترأسها شقيق الأمين العام لحزب السيدة الوزيرة (وهي فرع لمؤسسة قطر الخيرية التي تغدق عليها ملايين الدينارات). وقد علمنا لاحقا أن نفس هذه الجمعية أطلقت في أكتوبر 2012، تحت إشراف وزارة المرأة، حملة توزيع دراجات هوائية رفيعة النوع لفائدة عدد من الأطفال في مناطق داخلية... (المصدر 1).

إن رفض تمويل مشاريع مشغلة تحقق الانعتاق الاقتصادي لعدد من العائلات بتوفير دخل قار مع إنتاج الثروة وتبجيل الهبات والعطاءات في حملات دعائية ذات خلفيات سياسوية ترمي إلى الإبقاء على حالة التبعية الاقتصادية للفئات المعدمة لينم عن عقلية استعبادية لفظتها ثورة 17 ديسمبر. ذلك أنه في نظر الرابطة، من الأجدر تحقيق الاستقلالية الاقتصادية عبر توفير مورد رزق قار لهذه العائلات لتمكينها من شراء الكتاب والقلم والدراجة والمأكل والمشرب... بعيدا عن أي ابتزاز سياسي. ذلك هو السبيل الأوحد للتحرر الحقيقي.

وفي إحدى الاجتماعات الفلكلورية التي عقدتها الترويكا مع جمعيات بالجهة، حضر وفد من الرابطة لغايتين لا ثالث لهما: أولا تعبيرنا عن رفضنا لسياسات تدجين المجتمع المدني بعد ثورة 17 ديسمبر، وثانيا، حتى نكون إيجابيين وعمليين كعادتنا، اقترحنا سن قانون يفرض على الوزارات والجماعات المحلية والجهوية، إعطاء الأولوية للمشاريع المشغلة عند توزيع التمويلات على الجمعيات وذلك في إطار الشفافية التامة...

من الوزارات إلى الرئاسة

من مصادر من صلب رئاسة الجمهورية، وصلتني معلومات بوجود انتقائية واضحة في اختيار الجمعيات التي تتمتع بمساعدات وتمويلات وذلك على أساس الانتماء والولاء السياسين في تعد صارخ لمبدأ حياد مؤسسة الرئاسة وهو ما يتطلب فتح تحقيق عاجل في كيفية التصرف في المال العام المرصود للمجتمع المدني وذلك من أدنى السلم على مستوى العمادات إلى المعتمديات فالولايات والوزارات وصولا إلى رئاسة الجمهورية.


إنني على يقين بأنه، وسط الإفلاس السياسي لنخبة سياسية مهترئة ومتهرمة، على المجتمع المدني أن يضع كل ثقله لفضح الجرائم التي ترتكب في حق الشعب والثورة من أجل مغانم شخصية وفئوية لا تخدم المفقرين والمعدمين الذين ثاروا من أجل الخبز والحرية والكرامة الوطنية.

lundi 2 septembre 2013

صفقة الشيخين - وما وراء الأكمة؟

صفقة الشيخينوما وراء الأكمة؟


02 سبتمبر 2013
أيوب المسعودي






تذكير

منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر، نشرت مقالا تحت عنوان "صفقة دار الضيافة تحت فرقعات الشعانبي" (1) تحدثت فيه عن ما يحاك من مخططات تهدف إلى إعطاء هامش من المناورة السياسية لحركة النهضة، مناورات وفرقعات غطت على عملية سطو على الثورة دار رحاها في دار الضيافة بعيدا عن الأضواء لتسوية "الخلافات السياسية" وتمرير دستور الجماعة مقابل مشاركة جزء من "النخبة" في السلطة والامتيازات. وهي صفقة تم تمريرها تحت غطاء الوفاق الوطني الكاذب بمشاركة أحزاب و"شخصيات وطنية" وأخرى تجمعية وأخرى انتهازية لا وزن واقعي لها باسم الوحدة المقدسة ضد خطر الإرهاب الداهم... لم يتغير شيء منذ ذلك التاريخ مقابل تمادي الحزب الحاكم في تشجيع العنف المادي والمعنوي والترهيب والإرهاب بما يسمح له بالتموقع في الوسط كحزب يميني "معتدل محافظ" وكخيار ضد التطرف والغلو.

الحوار من أجل الحوار

بعد الاغتيال الجبان للشهيد محمد البراهمي، قررت حركة النهضة تغييرا طفيفا في الشخوص والأدوار والديكور، دون المساس بالسيناريو، لتسحب البساط من تحت أحمد نجيب الشابي وتجعل من الباجي قائد السبسي رجل المرحلة ومن نداء تونس شريكا ممكنا. حركة النهضة لم تقتصر على ذلك بل سحبت البساط من تحت حليفها العضوي، المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي كان من أشرس المدافعين عن قانون تحصين الثورة ليعلن شيخ مونبليزير عن تخليه عن هذا القانون ودعوته رئيس الجمهورية إلى الاستقالة في حال وجود نية للترشح إلى الرئاسيات القادمة. أما بالنسبة للديكور، فقد اختارت النهضة، بعد طول جفاء، القبول باتحاد الشغل إطارا للتفاوض كبديل عن قرطاج، هذا على الأقل على مستوى الظاهر، قبل أن ينكشف الإطار الحقيقي للمفاوضات الفعلية، تلك التي جمعت شيخي السياسة التونسية في باريس... التفاوض؟ على ماذا؟ وما الذي تخفيه صفقة الشيخين؟
في الحقيقة، لدي قناعة راسخة، عبرت عنها مرارا ومنذ زمن بعيد، بحتمية تقارب حركة النهضة وحركة نداء تونس كحزبين رجعيين (بالمفهوم السياسي والاقتصادي) تجمعيين، الأول تحت غطاء ديني والثاني تحت غطاء بورقيبي حداثوي. حركة النهضة، كما نداء تونس، كانا يتحينان التوقيت الأنسب للإعلان عن هذه التقاربات، في انتظار ذلك، عمل الطرفان على تأجيج الاستقطاب الثنائي من أجل تشطير المجتمع وتقسيم الناخبين تمهيدا لتقسيم كعكة السلطة، وقد استنجدوا في ذلك بترساناتهم المالية والإعلامية وتحالفاتهم الأجنبية المشبوهة، لا تغركم في ذلك الخطابات الأيديولوجية المنمقة الزائفة التي تبدي في ظاهرها اختلافا جوهريا والرامية في باطنها إلى تهييج الشارع ودغدغة مشاعر الخوف عند شق من الشعب والانزواء الهوياتي عند الشق المقابل.
لن أتحدث عن الحوار الذي احتضنه اتحاد الشغل، وإن كنت لا أشكك في صدق الاتحاد في محاولة الولوج إلى حل للأزمة، فهو في تقديري يخدم بصفة غير مباشرة حركة النهضة ويعطي غطاء للمفاوضات الحقيقية التي تدور تحت رعاية سفارات أجنبية وفي فضاءات مغلقة بين مونبليزير وقرطاج. وإذا نظرنا بتبصر وتمعن في ما رشح من مفاوضات باريس، نجد أن الشيخين "تفاهما على كل شيء" حسب قول راشد الغنوشي الذي لم يترك للاتحاد وأحزاب المعارضة إلا التزكية والمباركة.
لتلخيص ما جاد به الشيخان من معلومات حول تفاهمات باريس، يمكن القول أن النهضة والنداء اتفقا على طي صفحة الماضي والانتقال من التجاذب إلى التوادد مع ما يستتبعه ذلك من تنازلات من قبل حركة النهضة كإسقاط مشروع قانون تحصين الثورة وعدم تقديم مرشح للرئاسيات القادمة واتفاق الرجلين على عدم "فتح الملفات" وتجاوز الماضي... علاوة على ما يجب أن نقرأه بين ثنايا الكلام والمصطلحات المستخدمة خاصة في كلام الباجي قائد السبسي وحديثه عن تقاطع التوجهات الاقتصادية للحزبين وتذكيره بقمة الثمانية في دوفيل ومخطط الياسمين الذي أعدته حكومته والتي واصلت حكومة الجبالي في العمل به قبل أن تأتي حكومة العريض وتشرع في تنفيذه فعليا (مشروع الإصلاح الهيكلي، الزيادة في سعر المحروقات ومواد أساسية أخرى...).

ما وراء الأكمة؟

طبيعة التفاهمات التي أفرزها لقاء باريس يطرح جملة من التساؤلات أهمها مدى اتساق هذه الصفقة مع استحقاقات الثورة وانتظارات الجماهير. ألم يكن المراد من وراء تعفين المناخ السياسي والاقتصادي والترهيب والإرهاب ودفع الاستقطاب الأيديولوجي إلى أشده هو تهيئة الرأي العام وأنصار القطبين للقبول بالتقارب كضرورة مرحلية لإزاحة خطر الإرهاب الداهم والتأزم الاقتصادي وانهيار الدولة؟
ثم ما معنى أن يتفق رجلان على إغلاق ملفات الماضي وتبادل التطمينات بعدم التتبع وإثارة القضايا والمحاسبة؟ أليس ذلك تفصيا من المسؤولية واغتيالا للثورة واعتداء على الذاكرة الوطنية وحق الشعب في محاسبة جلاديه القدامى والجدد؟ هل سيوافق الشعب الثائر على إسقاط حق أجيال من المعارضين والمناضلين الوطنيين من اليساريين والشيوعيين إلى القوميين إلى اليوسفيين إلى الإسلاميين في القصاص ممن عذّبهم واغتالهم وأذلّهم؟ من له المصلحة في قبر أرشيف البوليس السياسي ولماذا التستر على أعمدة الفساد المالي والسياسي في العهد البائد لولا تورط الرجلين؟ هل فوض شباب الثورة والشهداء والجرحى هذه الديناصورات السياسية للتفاوض على حقهم في محاسبة القتلة وكشف حقيقة القناصة واسترداد الكرامة والاعتبار؟ هل فوض شباب سليانة الشيخين للتفاوض على غلق ملف الرش؟ هل فوضت عائلات العسكريين وأعوان الحرس البواسل الذين ابتلوا في فلذات أكبادهم هاذين المجرمين لغض الطرف عن حقيقة جرائم الشعانبي وتشعباتها ودور قوى سياسية فيها؟ هل تخلت "المعارضة" عن حق القصاص من الشهيدين بلعيد والبراهمي؟
هذا على مستوى المعلن، أما المضمر فهو في رأيي أدهى وأمر. إذ أن سكوت الرجلين عن مسألة الدستور والانتخابات يشي بحقيقة الصفقة التي قد يكون جوهرها مباركة الدستور والنظام السياسي والانتخابي (وهو ما بدأ في دار الضيافة أيضا) مقابل المشاركة في السلطة وقبر الملفات الحارقة كمحاسبة المسؤولين السياسيين عن جرائمهم قبل وبعد 14 جانفي، لتكون الضحية الأولى في كل ذلك هو الشعب الذي تم تهميش دوره في تحديد مصيره ودستوره ونظام حكمه وأولويات المرحلة.
كما أن جل المبادرات التي تقدمت بها الأطراف السياسية والاجتماعية اقتصرت على الجانب الفني الإجرائي الإداري للخروج من الأزمة مع الحد من خطر ما يسمى "الفراغ"، وقد كانت كلها تتمحور حول كيفية تحييد الجهاز التنفيذي في إدارة المرحلة المتبقية والتي تفصلنا عن الانتخابات التي تريد كل القوى السياسية أن تأتي في أقرب الآجال. وإن كان مطلب تحييد السلطة التنفيذية والتسريع في الانتخابات مطلبا مشروعا بالنظر لانسداد الأفق السياسي وتأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فلا يمكن حصر الصراع الحالي في إطار التسابق على السلطة بتوفير شروط المشاركة السياسية لنخبة سياسية جديدة، بل يجب أن يكون الصراع صراع أفكار واقتراحات تلبي المطابل الحقيقية لثورة 17 ديسمبر، ولا يمكن تنظيم انتخابات قبل حلحلة الملفات التالية:


- ملف تمويل الجمعيات : لقد شهدت تونس، بفعل ثورة 17 ديسمبر، انفجارا لعدد الجمعيات المدنية. وإن كان ذلك مؤشرا لديناميكية المجتمع التونسي وإرادة استرداد المواطنة المسلوبة، فلا يمكن تجاهل العدد الهائل للجمعيات التي تعمل وفق أجندات حزبية وتحظى بتمويلات حكومية مشبوهة مقابل محاصرة جمعيات وطنية تأبى أن تطوع وأن تتحول إلى أداة في يد السلطانأن. ولما كان المجتمع المدني أداة لدى نظام 07 نوفمبر لتطويق المجتمع وابتزاز الفئات المفقرة والمعدمة، توجب مطالبة كل مؤسسات الدولة من العمادات إلى المعتمديات إلى الولايات إلى الوزارات وصولا إلى رئاسة الجمهورية بنشر جرد كامل ومفصل في التمويلات التي منحت للجمعيات مع بيان قائمة الجمعيات المستفيدة والمبالغ الممنوحة لها والإطار الذي تم فيه توزيع تلك الأموال منذ 23 أكتوبر 2011،
- النظام الانتخابي : كنت نبهت وأشرت إلى خطورة تفويض مسألة وضع النظام الانتخابي إلى المجلس التأسيسي الذي تسيطر عليه الأحزاب السياسية. ما أقترحه هو تكليف لجنة خبراء دستوريين مصغرة بوضع قانون انتخابي يرتكز على مبدأ قرب الناخب من المترشح ولعل نظام الانتخاب على الأفراد وفي دوائر صغيرة هو الأمثل والأكثر ديمقراطية وتمثيلا والأنسب للأحزاب والأشخاص ذوي الإمكانيات المادية المحدودة، ذلك أن تكاليف الحملات الانتخابية في دوائر صغيرة (بحجم المعتمديات) هي أقل تكلفة وأكثر نجاعة من حيث القرب والتواصل. إن توافق "النخبة" حول قانون انتخابي مبني على نظام النسبية مع أكبر البقايا إنما يرمي إلى حفاظ هذه "الأوليغارشية السياسية الحزبية" على امتيازاتها مع تهميش الشباب والكفاءات الغير متحزبة،
- منح حكومة الكفاءات صلاحية التدقيق في كل التعيينات التي طالت الإعلام والإدارة والوزارات والولايات والمعتمديات على أساس الولاء الحزبي منذ 23 أكتوبر 2011 ومراجعتها قبل الانتخابات،
- كشف أرشيف البوليس السياسي وهو ما من شأنه تحصين الثورة وكشف حجم الجرائم التي اقترفها النظام المخلوع وحلفاؤه في الداخل والخارج،
- رد الاعتبار لشهداء وجرحى الثورة وإكرامهم بحلحلة مشاكلهم الصحية والاجتماعية وحسم قضايا القتل والقنص وكشف كل ملابساتها عبر إحالة ملفات قتل الشهداء على القضاء العدلي المدني،
- التطبيع مع الصهيونية : ضرورة المطالبة بدسترة التجريم الصريح لكل أشكال التطبيع مع الصهيونية والكيان الصهيوني،
- تعديل الفصول الخاصة بالرقابة اللاحقة لقرارات الجماعات المحلية والجهوية والتي تفرغ مبدأ الانتخاب من مضمونه،
- إلغاء خطتي الوالي والمعتمد وتعويضهما بمجالس جهوية ومحلية منتخبة،
- إقرار مبدأ الديمقراطية التشاركية كمكمل للديمقراطية المحلية مع ضرورة تشريك المجتمع المدني في المجالس المحلية والجهوية،
- إقرار آلية دستورية لتفعيل الديمقراطية التشاركية المباشرة كمنح 5% من الناخبين حق اقتراح مشاريع القوانين على المجلس التشريعي أو مساءلة الوزراء.






mercredi 7 août 2013

La République des Humbles

Lettre ouverte au Président bolivien Evo Morales: Et si vous donniez définitivement l'asile politique à Mr. Snowden?


Publié au HffingtonPost Maghreb : lien
07/08/2013






Je réagis ici à la lettre édifiante de M. Morales publiée par le Monde Diplomatique (N 713, Aout 2013), une leçon de courage et de dignité.
Si j'écris cet article quelque peu provocateur, c'est surtout pour fustiger la politique étrangère des gouvernements européens, une politique néocoloniale aux antipodes des valeurs que prétend représenter le "monde libre", des pratiques reflétant du mépris pour les peuples du tiers monde.
C'est aussi pour exprimer mon indignation contre l'atteinte à l'honneur des peuples de ce vieux continent par le concours de la France, l'Italie, l'Autriche et l'Espagne dans l'agression, sur le sol européen, du grand peuple bolivien et de son président, symbole de la dignité recouvrée des peuples d'Amérique latine.
Le jeu de l'impérialisme américain
Mais c'est aussi l'honneur de la France du Général de Gaulle et des Etats européens, en soumission totale à l'empire américain, qui est atteint. Cet alignement aveugle des Etats européens, et surtout la France, sur le diktat d'un agenda transatlantique dominé par la vision américaine, va à l'encontre de la tradition gaulliste dans son rapport avec les ambitions impérialistes du pays de l'Oncle Sam. C'est en 2007, par une déclaration surprise à Washington, que Nicolas Sarkozy a annoncé le retour de la France dans le commandement intégré de l'OTAN. Pour beaucoup de gaullistes, cette décision a été perçue comme une trahison de la France en faveur d'une idéologie surannée et dépassée, celle de l'impérialisme primaire à l'américaine. L'agitation du "petit Nicolas" est venue défaire ce qu'avait bâti le "Grand De Gaulle".
En parlant de la collaboration aveugle de l'Europe avec les États-Unis dans son artificiel combat contre le terrorisme, M. Morales a souligné que "la guerre contre le terrorisme aura réduit la vieille Europe au rang de colonie". J'ajouterais que plusieurs gouvernements arabes, y compris ceux issus d'élections post-"printemps arabes", font aussi le jeu de l'impérialisme qataro-américain sur les terres saintes de la révolution.
Après avoir accueilli la première réunion des "ennemis du peuple syrien" en mai 2012, c'est le 18 juillet 2012 que le président tunisien Moncef Marzouki a déclaré, devant l'Assemblée nationale française, qu'"un Maghreb uni, prospère et stable serait un sas de sécurité pour l'Europe contre l'immigration clandestine et le terrorisme dans la région du Sahel...". Moins d'un an plus tard, c'est au tour de son homologue égyptien, Mohamed Morsi, de déclarer son allégeance au grand empire, en accueillant un énième sommet des "ennemis du peuple syrien", et en allant même jusqu'à appeler au jihad en Syrie contre l'Armée arabe syrienne. Toutes ces déclarations d'allégeance et de soumission ont pour objectif de saper le moral des révolutionnaires en réduisant la Tunisie post-révolutionnaire, tout comme l'Egypte, à une muraille protectrice pour le vieux continent contre la misère africaine. L'Egypte de Morsi multipliera par ailleurs les promesses de respect des accords de paix avec Israël. Sans oublier le silence assourdissant des Frères musulmans au moment des bombardements de Gaza, ainsi que le survol, par des avions de chasse israéliens, du sol égyptien pour bombarder, en toute impunité, une usine de munitions à Khartoum soupçonnée de fournir de l'aide à la résistance palestinienne.
Mais les révolutions arabes, et la révolution tunisienne en tête, finira par triompher. Il viendra alors le jour où elle rayonnera sur le monde entier par ses valeurs fondatrices et les rêves qu'elles aura concrétisés. L'histoire inscrira la révolution tunisienne comme un tournant de l'histoire des peuples libres qui aura changé la face du monde.
Terrorisme et dépendance
Je reviens aussi sur ce que M. le Président Morales a évoqué à propos du prétendu combat contre le terrorisme, que l'Europe prétend mener avec les Etats-Unis, en affirmant que les dernières années ont prouvé, sans équivoque, que le terrorisme n'a été qu'un moyen, au service de ces puissances impérialistes, pour mieux régner. Plus qu'un alibi d'ingérence politique et économique directes, le terrorisme est un outil de cloisonnement qui crée un état de psychose intérieure et extérieure. La méfiance mutuelle qui a toujours caractérisé les relations inter-arabes, ainsi que le climat de violence politique qui domine ces pays, ne favorisent pas le développement politique et économique. Le terrorisme maintient ainsi les régimes arabes en état de dépendance totale vis-à-vis de l'Occident.
Mais le terrorisme est également un nouveau moyen pour l'Empire américain et ses colonies européennes d'asservir leurs propres peuples par la peur et la méfiance, afin d'imposer des politiques sécuritaires au service des grands groupes militaro-industriels et cloisonner les citoyens d'un même pays. Ce terrorisme d'Etat crée des consommateurs dociles et soumis, qui acceptent volontiers de se faire espionner, et des consommateurs internationaux, comme les pays du Golfe, qui acceptent de s'entretuer pour sauver leurs monarchies décadentes. L'ancien Secrétaire d'Etat américain Henry Kissinger lui-même avait dit: "Nous vendons des armes à des présidents qui en ont besoin pour affronter des peuples qui ont besoin de pain".
On ne peut plus parler de liberté
Venons-en maintenant à M. Snowden, cet informaticien trentenaire, anciennement employé en tant que conseiller auprès de la CIA et de la NSA, et qui a eu le courage de révéler au grand public un gigantesque programme d'espionnage mis en place par le gouvernement américain, avec la complicité de quelques géants de l'internet et des réseaux sociaux (facebook, google, MSN,...).
M. le Président Evo Morales, la Bolivie et les peuples Bolivariens de l'Amérique du Sud doivent continuer de montrer la voie et donner l'exemple en "gouvernant pour les humbles" comme vous l'avez si bien fait et expliqué. M. Snowden en est un, je ne crois pas qu'il y a cherché un quelconque intérêt, comme l'ont prétendu certains. M. Snowden est un humble mais surtout un indigné, un révolté qui a refusé d'être complice des crimes organisés de ces Etats voyous qui bafouent les droits les plus fondamentaux des peuples, le droit à la vie privée, sans laquelle on ne peut plus parler de liberté.
Comment peut t-on croire qu'un des hommes les plus recherchés du monde et passible des plus lourdes peines pour haute trahison puisse chercher une quelconque célébrité ou bénéfice?
Accueillir M. Snowden devient ainsi une forme de défense pour les libertés et les droits des peuples, y compris, surtout, le peuple des États-Unis d'Amérique, première victime d'espionnage par leur propre gouvernement.
Au-delà de cette question de principe et de cet engagement moral, M. Snowden peut aider sur le plan du contre-espionnage. La NSA définit les normes de sécurité des protocoles de chiffrement et des systèmes de sécurité internationalement adoptés et utilisés aussi bien par les simples citoyens partout dans le monde (communication mobile, transactions bancaires, internet...) que par ces systèmes de communication militaire que les Etats-Unis vendent aux pays du tiers monde en en vantant la sécurité et la fiabilité. Or, nul spécialiste du domaine n'ignore le risque d'existence de "trapdoors", sorte de passage secret, brèches dissimulées au grand public. C'est à travers ces ouvertures volontairement - ou malencontreusement - introduites dans des algorithmes validés par la NSA que le "Big Brother" nous espionne et peut tout savoir sur nos achats sur internet, nos goûts, nos programmes de voyage, mais aussi la teneur des discussions entre nos politiques, nos armées...
Il est plus que jamais urgent de travailler sur des solutions politiques et pratiques pour contrer ces menaces. Une alliance entre Peuples Humbles doit voir le jour, avec deux priorités:
Un grand programme de recherche indépendant pour la veille sécuritaire et l'élaboration d'une nouvelle génération de protocoles et systèmes de communication, pour plus de confidentialité et de respect de la vie privée, et pour renforcer la souveraineté des Etats.
La mise en place de nouvelles relations entre les peuples, basées sur la réciprocité et la complémentarité, pour la prospérité et le progrès humain pour tous.
Voilà le seul remède contre cette "Fabrique du terrorisme".

samedi 3 août 2013

De la Tunisie à l'Egypte: La grande confiscation, dernière partie

De la Tunisie à l'Egypte: La grande confiscation, dernière partie



Publié au HuffingtonPost Maghreb : lien



Un pouvoir au service d'un agenda international sans projet national
L'affaire de l'extradition de Baghdadi Mahmoudi a été, à mon avis, le point culminant de ce que j'appellerais la décadence et la décomposition des institutions de l'état. J'ai écopé d'un an de prison avec sursis et de la privation de certains droits civiques et politiques pour avoir critiqué une grave transgression de la mini-constitution transitionnelle qui régit la Tunisie aujourd'hui (voir mon entrevue du 30 aout 2013 avec le Nouvel Observateur).
J'ai aussi qualifié cette extradition, qui s'était faite avec le concours de l'armée à l'insu du président de la République et Chef suprême de l'armée, de trahison d'état. L'extradition de cet ancien premier ministre de Kadhafi a été exécutée quelques jours avant les élections lybiennes, c'était une carte électorale offerte par les ikhwans tunisiens à leur prolongement "naturel" en Lybie. En ce sens, l'allégeance à l'organisation internationale de la confrérie prime sur l'allégeance nationale.
LIRE AUSSI:
L'expulsion de l'ambassadeur syrien en Tunisie et l'accueil de la première réunion des "amis du peuple Syrien" - un club de comploteurs qui planifie la destruction de la Syrie à l'image de l'Irak et de la Lybie - et la complicité évidente du gouvernement dans le convoi de djihadistes en Syrie via la Lybie et la Turquie sont autant de preuves que la Tunisie est gouvernée par un pouvoir au service d'un agenda international et qui n'a aucune considérations pour les intérêts nationaux.
En Egypte, le pays est confronté à d'innombrables défis touchant à sa sécurité nationale et vitale comme le barrage Ennahdha, que l'Ethiopie menace de construire avec la complicité de l'entité sioniste, le trafic d'armes et le terrorisme dans le Sinaï. L'ex-président islamiste Mohamed Morsi ne s'est pas gêné, fin juin 2013 et quelques jours avant son renversement, de décider unilatéralement d'expulser à son tour l'ambassadeur Syrien. Il avait auparavant ouvertement incité les Egyptiens au djihad contre le régime de Bachar et les chiites apostats. Quelques jours après, quatre Egyptiens de confessions chiites ont trouvé la mort par lynchage dans un village égyptien. C'était le prix à payer pour acheter la bienveillance du Qatar et le milliard de dollars prêté par Erdogan aux ikhwans Egyptiens avec des conditions fort avantageuses, alors même que l'Egypte peinait à obtenir un prêt de 4.5 milliards de dollars auprès du FMI.
Le début de la chute?
L'éviction du prince Qatari, orchestrée dans les coulisses des affaires étrangères américaines, le remplacement de son puissant ministre des affaires étrangères, le revers politique encaissé par Erdogan et son parti lors des récents affrontements de la place Taqsim à Istanbul, la série d'avancées de l'armée arabe syrienne après sa victoire clé à Al-Qusair et le renversement du pouvoir islamiste au Caire sont autant de coups durs pour le projet du nouvel ordre Moyen-Oriental dont les Frères musulmans se croyaient enfin être les maîtres, avec le soutien financier du Qatar et le soutien politique et armé des États-Unis et de l'OTAN.
Convaincu que les chars militaires et la force matérielle ne peut fonder une démocratie, j'avais personnellement annoncé, dès les premières heures du renversement de Mohamed Morsi, mon refus total de ce coup d'Etat qui avait obtenu le feu vert américain sous la pression saoudienne.
Après l'échec de l'opposition syrienne dominée par les Frères musulmans, les Américains s'inquiète de la résistance du régime d'Assad et veulent peut être miser sur les djihadistes du Front Al-Nosra pour gagner la guerre sur le terrain. Or les américains savent pertinemment qu'ils ne peuvent pas se passer de l'aide financière et pétrolière saoudienne et, surtout, de l'ascendant qu'ils ont sur les groupes salafistes djihadistes sur le terrain syrien.
C'est dans ce contexte que la chute des Frères musulmans est survenue en Egypte. Bien que je refuse le coup d'Etat opéré contre le président Mohamed Morsi, surtout quand on sait que les "foulouls" y ont joué un rôle central avec l'aide de forces financières internes et étrangères occultes, je note que la confrérie n'a pas fait l'effort de se remettre en question et continue sa diabolisation de l'autre en appelant au meurtre et à la violence.
En Tunisie, Ennahdha et ses alliés fantoches ne semblent pas avoir tiré les leçons de l'expérience égyptienne et continuent dans leur aveuglement et leur arrogance. L'absence d'une feuille de route claire pour les échéances démocratiques à venir, les tergiversations d'une Assemblée constituante en deçà des attentes populaires, la division de l'opposition, la milicisation de la vie politique et l'absence d'une armée politisée pouvant jouer le rôle d'arbitre en cas de crise politique majeure, font craindre les pires scénarios.